والقسم الآخر : ما يختلف المؤدّى بسبب اختلاف القراءة بحيث [ لزم منه ] اختلاف الحكم الشرعي ، كما في قوله تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ )(١) حيث قرأ تارة بالتخفيف من الطهر الظاهر في النقاء عن الحيض ، واخرى بالتشديد من التطهّر الظاهر في الاغتسال.
وفائدة الاختلاف تظهر في حلّ الوطئ بعد النقاء وقبل الاغتسال وعدمه على ما هو مفاد الغاية ، فهل الحكم في نحو ذلك هو الجمع والإعمال بإرجاع التأويل إلى أحدهما لمرجّح الدلالة في الآخر من نصوصيّة أو أظهريّة ، والتخيير مع فقده أو التخيير مطلقا ، أو الوقف مع فقد المرجّح أو مطلقا والرجوع إلى الاصول أو القواعد العامّة؟ احتمالات :
وبيان ما هو الحقّ منها موقوف على ثبوت إحدى المقدّمتين :
الاولى : كون القراءات السبع المشهورة ـ وهي قراءة نافع وأبو عمرو والكسائي وابن عامر وابن كثير وعاصم وحمزة ـ كلّها ، أو هي مع الثلاث الباقية كقراءة أبي جعفر ويعقوب وخلف متواترة ، والمراد تواترها عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى القرّاء ، لا مجرّد تواترها عن القرّاء إلينا فقط ، ليكون سند كلّ قراءة قطعيّا على معنى حصول القطع لنا بصدورها عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الله سبحانه بملاحظة التواتر ، وحينئذ تصير القراءتان في محلّ الاختلاف بمنزلة آيتين أو خبرين متواترين لفظا تعارضا من حيث الدلالة ، فيجب الجمع بينهما بحمل الظاهر منهما على النصّ أو الأظهر عملا بمرجّح الدلالة من النصوصيّة أو الأظهريّة إن كان موجودا ، فيحمل « يطّهرن » (٢) بالتشديد على إرادة النقاء من الدم ، لأنّ « يطهرن » بالتخفيف أظهر دلالة في النقاء من « يطّهرن » بالتشديد في الاغتسال ، ويحتمل العكس بحمله مخفّفا على إرادة الطهارة من حدث الحيض الّذي لا يرتفع إلاّ بالاغتسال ، بدعوى : أنّ المشدّد منه أظهر في الاغتسال من مخفّفه في النقاء.
وفي كلام بعض الأعلام : « أنّ المرجّح هنا ثبت للتخفيف » (٣) والظاهر أنّ مراده المرجّح الداخلي كما ذكرنا ، ويحتمل إرادة المرجّح الخارجي كورود الخبر على طبق التخفيف ، كما ورد في الأخبار ممّا دلّ على حلّ الوطئ قبل الاغتسال وبعد النقاء على كراهيّة.
الثانية : ثبوت الإجماع على تقدير عدم ثبوت التواتر على الوجه المذكور على جواز الاستدلال بكلّ قراءة ، كما ثبت الإجماع على جواز القراءة بكلّ قراءة ، فتصير بمنزلة
__________________
(١) سورة البقرة : ٢٢٢.
(٢) سورة البقرة : ٢٢٢.
(٣) قوانين الاصول ١ : ٤٠٦.