خبرين متعارضين في الدلالة قام الإجماع على حجّيّة كلّ منهما ، أو علم حجّيّة كلّ بدليل علمي آخر ، فلابدّ من الجمع أيضا على النهج المذكور.
وعلى تقدير وجود مرجّح الدلالة وإن لم يثبت التواتر ولا الإجماع تصيران كخبرين متعارضين ، علم صدور أحدهما دون الآخر ، فلاشتباه الحجّة حينئذ بغيرها لابدّ من التوقّف في محلّ التعارض ، والرجوع إلى غيرهما من أصل أو قاعدة كلّيّة مع عدم مرجّح لإحدى القراءتين ، أو على تقدير عدم ثبوت الترجيح.
ومن الاصول ما يقتضي موافقة قراءة التخفيف وهو استصحاب الحالة السابقة على النقاء ، أعني حرمة الوطئ الثابتة حال وجود الدم إلى أن يحصل الاغتسال.
ونقض بعموم قوله تعالى : ( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ )(١) من حيث الأزمان ، بناء على كون كلمة « أنّى » لعموم الزمان لا المكان ، خرج منه أيّام الحيض وبقي الباقي ومنه ما بين النقاء والاغتسال ، فيدور الأمر بين استصحاب حكم المخصّص أو العمل بالعموم الزماني ، ويبطل الأوّل : بأنّ العموم ولو كان زمانيّا دليل اجتهادي ، وقد أخذ في موضوع الاستصحاب فقده فلا يجري مع وجوده.
وفيه : أنّه إنّما يستقيم فيما إذا لزم بالاستصحاب تخصيص في العامّ وطرح لعموم ، كما لو ورد الأمر بصيام كلّ يوم ثمّ نهي عن صوم يوم الجمعة مثلا ، فإذا استصحب الحرمة ليوم السبت أيضا لزم بالاستصحاب تخصيص زائد على التخصيص ، وليس الحال في محلّ البحث كذلك ، إذ لا يلزم من استصحاب حرمة الوطئ قبل الاغتسال تخصيص آخر في عموم ( أَنَّى شِئْتُمْ ) غير ما لزم بالمخصّص الأوّل وهو آية ( لا تَقْرَبُوهُنَ ) نظرا إلى إجمال الغاية الموجودة فيها بسبب اختلاف القراءة ، فيسري الإجمال إلى العامّ بقدر ما بين النقاء إلى الاغتسال.
وإن شئت فاستوضح ذلك بفرض أمارة معتبرة مكان الاستصحاب كالخبر الجامع لشرائط الحجّيّة الدالّ على حرمة الوقاع قبل الاغتسال ، فإنّ هذه الحرمة ليست حرمة اخرى بل من تتمّة الحرمة الاولى الّتي أفادها المخصّص الأوّل ، والخبر المفروض مبيّن له ورافع للإجمال عنه وعن العامّ ، وكاشف عن كون غاية حرمة الوقاع حسبما اريد من قوله : ( حَتَّى يَطْهُرْنَ ) هو الاغتسال.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢٢٣.