فليس بقرآن ، بل عندنا ألآن بل في جميع الأزمان ما هو أعلى من التواتر ، وهو التسامع والتظافر بين المسلمين البالغ بالقرآن ، وكونه كتاب نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الله سبحانه إلى حدّ ضروريّ الدين ، حتّى أنّ منكره من المسلمين يلحق بالمرتدّين ، بل يعرفه سائر الملل والأديان ويعلمون أنّ الكتاب الّذي أتى به نبيّ هذه الامّة هو القرآن ، فلا جدوى في الإطالة والإطناب لإثبات تواتره ، ولا حاجة إلى تجشّم الاستدلال عليه بما ذكروه من توفّر الدواعي إلى نقله إلينا لما يتضمّنه من التحدّي والإعجاز ، وكونه أصل الأحكام وكلّما كان كذلك فالعادة تقضي بنقله متواترا.
وبالجملة ضروري الصدور من الشارع لا حاجة فيه إلى النظر والاستدلال ، وكيف كان فاحتجّوا على تواتره بوجوه :
منها : ما نقله بعض مشايخنا من أنّا قد أثبتنا كون القرآن متواترا ، فهو إمّا متواتر في القراءات السبع ، أو في بعضها دون بعض ، أو في غيرها ، أو لا فيها ولا في غيرها ، ولا سبيل إلى ما عدا الأوّل لبطلان الأخير بدليل الخلف ، فإنّ القرآن المتواتر لابدّ وأن يكون مقروّا بشيء من القراءات ، فإذا لم يكن متواترا في السبع ولا في غيرها لم يكن أصله متواترا ، وقد أثبتنا كونه متواترا.
وبطلان الثالث بعدم قائل به ، وكونه خلاف بديهة العقل نظرا إلى الأولويّة ، فإنّه بنى على كونه متواترا في قراءة فكونه كذلك في القراءات المعهودة المتداولة أولى من غيرها ، وبطلان الثاني بلزوم الترجيح من غير مرجّح ، فيتعيّن الأوّل.
ويزيّفه : منع لزوم الترجيح بغير مرجّح على تقدير اختيار الثاني ، فإنّا نقطع بأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قرأ القرآن على الوجه الصحيح ، والقدر المتيقّن منه واحدة من السبع أو العشر أو القدر الجامع بينها.
غاية الأمر أنّه تشابه علينا فلو بلغ نقله إلى القرّاء حدّ التواتر وإن اشتبه علينا لم يلزم الترجيح بلا مرجّح كما هو واضح.
وقد يجاب : بمنع الملازمة أيضا ، بأنّه إنّما يلزم على تقدير التسوية الواقعيّة بين القراءات مع عدم المرجّح في الواقع ، ومن الجايز عدم التسوية ووجود المرجّح في الواقع بالنسبة إلى البعض ، كما لو كان دواعي النقل فيه أكثر ، وشرائط التواتر فيه أجمع.
غاية الأمر عدم تعيّنه لنا ، وهو غير ضائر بعد ما كان المراد من التواتر ما تواتر عن