امور مجملة ، إذ لا يدرى أنّ ما يقرأ الناس الّذي هو ما تعلّموا وعلّموا في أزمنة صدور هذه الروايات هل هو إحدى قراءات السبع ، أو إحدى العشر ، أو وجوه اخر غيرها ، أو مجموعها متفرقّة بين جميع الناس؟ أو ليس المراد منها اعتبارات القرّاء ووجوه قراءاتهم ، بل المراد أصل ما في المصاحف العثمانية المتداولة لديهم إلى يومنا هذا ، من السور والآيات والكلمات والحروف ، بما فيها من الإعراب والبناء والحركات والسكنات المأخوذة في بنية الكلمات أو أواخرها ، ولا يبعد دعوى ظهور ذلك بملاحظة موارد سؤالات هذه الأخبار.
ولقد أجاد كاشف الغطاء فيما أفاد في هذا المقام بقوله : « ولا يجب قراءة القرّاء السبعة ، وهم حمزة وعاصم والكسائي وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ونافع ، ولا العشرة بإضافة يعقوب وخلف وابن شعبة ولا التجسّس عليها.
وإنّما الكلام القراءة على نحو إعراب المصاحف وقراءة الناس ، ويجوز اتّباع السبعة بل العشرة في عملهم لا في مذاهبهم ، كاحتسابهم السور الأربع أربعا ، وإخراج البسامل من جزئيّة القرآن أو السور » إنتهى (١).
فالإنصاف : أنّ المدار في امتثال التكليف بقراءة القرآن ، استحبابا ووجوبا ، في الصلاة أو غيرها على إحراز صدق الاسم ، على وجه الصحّة المعتبرة في اللغة العربيّة ، بأن لا يكون أداء الكلمات وحروفها على خلاف قانون العربيّة ، بزيادة أو نقيصة أو الإخلال في مادّة وجوهر ، أو هيئة وبنية أو إعراب وبناء أو حركة وسكون في بنية الحروف أو أواخرها ، وموالاة بين الحروف في التأدية والنطق ، ويدخل في الضابط المذكور رعاية مخارج الحروف على وجه يمتاز بعضها عن بعض وأمن الالتباس وانقلاب حرف حرفا آخر ، لا على الوجوه الدقيقة حسبما تكلّفه أهل التجويد وضبطوه في كتبها ، ويدخل فيه أيضا مراعاة الإدغام في كلمة واحدة الّذي يقال له التشديد كما في « مدّ » و « مرّ » و « فرّ » ، فإنّ ترك مراعاته يوجب إمّا ترك الحرف المدغم أو تحريكه أو فكّ الإدغام الموجب لفوات الموالاة في النطق بين الحرفين المدغم والمدغم فيه ، والكلّ على خلاف القانون في اللغة العربيّة.
ولقد أشار إلى ما بيّناه من الضابط في القراءة كاشف الغطاء قبيل العبارة المتقدّمة عنه بقوله : « ويلزم المحافظة على الحروف بالإتيان بما يدخل تحت اسمها ، ولا عبرة بالمخارج المقرّرة عند القرّاء ، وإنّما المدار على المخارج الطبيعيّة فلو خرجت عن الاسم كجعل الضاد
__________________
(١) كشف الغطاء : ٢٣٦.