باعتبار صفة الظنّ المأخوذة معه على وجه الجزئيّة.
ثم إنّ الظنّ من حيث هو ظنّ يمتاز عن القطع من حيث هو كذلك في أمرين :
أحدهما : أنّه يقبل منع الشارع عن العمل به ، ويجوز للشارع أن ينهى عن العمل به ، بحيث يقطع الظانّ بحرمة العمل من غير أن يلزم منه محذورا ، وهذا هو معنى حرمة العمل به عموما الثابتة بعمومات الآيات والأخبار ، وحرمة العمل بظنّ القياس الثابتة بالضرورة والأخبار الناهية عن القياس ، بخلاف القطع فإنّه لا يقبل المنع والنهي ، للزوم التناقض أو اجتماع النقيضين ، فإنّ مقتضى القطع بالشيء أن ينعقد في ضمير القاطع أنّه يجب ترتيب آثار الواقع على المقطوع به ، ومقتضى نهي الشارع ـ لو فرض ـ أن ينعقد في ضميره أنّه لا يجب أو يحرم ترتيب آثار الواقع عليه ، وهما متناقضان.
وثانيهما : أنّه يجوز للشارع أن يجعل للظانّ من حيث كونه ظانّا حكما كلّيّا بالنظر إلى احتمال مخالفة الواقع ، من باب جعل الحكم الظاهري حكما على خلاف الحكم المجعول للواقعة من حيث هي ، بحيث يقطع الظانّ بهذا الحكم المجعول له ، كجواز تناول ما ظنّه حراما ، وجواز ترك ما ظنّه واجبا من غير أن يلزم محذور ، بخلاف القطع فإنّه لا يجوز أن يجعل للقاطع بوصف كونه قاطعا ـ نظرا إلى احتمال مخالفة قطعه الواقع ـ نحو الحكم المذكور ، على أن يكون حكما ظاهريّا له بحيث يقطع به للزوم اللغو في جعل ذلك الحكم ، فإنّ فائدة جعل الحكم الظاهري بالقياس إلى شخص المكلّف أن يلتزم به ويجريه في حقّه ، ولا يتمكّن من ذلك إلاّ بأن يندرج في موضوع ذلك الحكم ويلتفت إلى اندراجه فيه.
والقاطع ما دام قاطعا لا يلتفت إلى اندراجه في موضوع الحكم المذكور ، لعدم احتماله الخلاف في قطعه فيلغو جعل الحكم رأسا ، بخلاف الظنّ لقيام احتمال الخلاف في ظنّه عنده فيلتفت إلى اندراجه في موضوع حكم جعله الشارع للظانّ من حيث احتمال مخالفة ظنّه الواقع ، فليتدبّر.
هذا تمام الكلام في مقدّمات الباب المنعقد له الكتاب. وأمّا الكلام في نفسه ففيه مقصدان :
* * *