وفيه مغالطة واضحة فإنّ عمل العلماء بقول اللغويين في الجملة مسلّم لا يمكن إنكاره ، غير أنّ بلوغه الإجماع الكاشف عن قول المعصوم ، أو عن حقّيّة المورد فيما هو محلّ البحث وموضوع المسألة ـ وهو العمل بقول لغوي غير مفيد للعلم فيما هو متعلّق بالأحكام التكليفيّة الّتي يعاقب فيها على العمل بغير العلم ـ غير معلوم ، بل المعلوم عدم ثبوته فيه ، وما يرى من عملهم به أو اتّفاقهم على العمل به فإنّما هو شيء ليس المقام منه.
وتوضيحه : أنّ موارد عملهم مختلفة ، وهي على ما يرشد إليه الاستقراء على أنحاء :
منها : ما يعملون به في موضع [ تعاضد ] بعضه ببعض ، كما لو اتّفق أهل اللغة على معنى ، أو تعدّدوا تعدّدا يفيد العلم بصدقهم.
ومنها : ما يعملون به لاعتضاده بالقرائن الخارجيّة ، من مطابقة العرف وشهادة الأمارات المعمولة في تشخيص الموضوعات ، فيحصل لهم العلم بما قالوا وإن كان القائل واحد.
ومنها : ما يعملون به في محلّ يتسامح فيه ، ولا يطالب فيه بالعلم ، ولا يعاقب فيه على العمل بغير العلم ، كما في الخطب والأشعار والقصائد والأدعيّة والأحاديث الغير المتعلّقة بالأحكام ، والآيات الغير الواردة في التكاليف.
ومنها : ما يعملون به في موضع المجادلة المقصود فيها الغلبة على الخصم وإسكاته ، فيستشهدون بقول لغوي لأجل هذا الغرض لا غير ، بل العمل المقصود هو مجرّد الغلبة والإسكات ، فلم يبق إلاّ ما هو موضوع البحث ، ولم يثبت فيه منهم الإجماع على العمل به على وجه يندرج في الظنون الخاصّة.
وإن أرادوا الثاني : فالحقّ فيه المنع أيضا ، لعدم انسداد باب العلم في اللغات الّذي مناطه الانسداد الأغلبي.
وأمّا الاستدلال على جواز العمل على الوجه المذكور بأنّه ـ لولاه لزم سدّ باب الإفادة والاستفادة لانسداد باب العلم في اللغات ـ فمدخول فيه بضرورة الانفتاح الأغلبي ، لكون أكثر اللغات ما يعلم به بمراجعة العرف واستعمال علائم الحقيقة أو المجاز المفيدة للقطع بهما ، وما لا يعرف بالعرف والأمارات فإنّما يعلم به بواسطة أقوال اللغويّين في موضع تعاضد بعضها ببعض ، وما لا معاضد له فإنّما يؤخذ به بملاحظة العادة وشهادة القرائن ، كما أنّا نعمل بقول عربيّ واحد عاميّ صرف أخبرنا بأنّ اللفظ الفلاني عندنا هو للمعنى الفلاني ، ولا ريب أنّه ليس عملا بالظنّ ، بل بما يفيد العلم بحكم العادة وشهادة قرائن المقام بصدقه ،