إدراك قول الإمام على وجه الاتّفاق ، فيقوى احتمال الخطأ في حدس مدّعيه على هذا الوجه.
فالإنصاف : أنّ إثبات حجّيّة الإجماع المنقول على إطلاقه من جهة حجّيّة الخبر المصطلح في غاية الإشكال ، فلا يندرج في أدلّة حجّيّة الخبر الّتي عمدتها آية النبأ.
هذا مضافا إلى كثرة الموهنات القادحة في الحجّيّة ، باعتبار استلزامها قوّة احتمال الخطأ في النقل الّتي لا تنفيه أدلّة حجّيّة الخبر وإنّما تنفي احتمال الكذب ، مثل تعارض الإجماعين المنقولين من ناقل واحد في كتاب واحد أو في كتابين ، أو من ناقلين معاصرين أو متقاربي العصر ، ومثل كثرة ما يتّفق من أنّ العدل ينقل الإجماع على قول في مسألة ثمّ يعدل عن هذا القول في موضع آخر أو في كتاب آخر ، وكثيرا مّا ينقله في المسألة مع اشتهار خلافه عند الأصحاب ، أو ينقله على قول مع مخالفة غير واحد أو جمع من الأجلاّء وما أشبه ذلك ، مثل كثرة ما يوجد في كلام المحقّق والعلاّمة من الطعن في إجماعات غير واحد من ناقليها كالحلّي والسيّد ابن زهرة وكذلك الشهيد ونظرائه.
ومن ذلك ما قال المحقّق في موضع من المعتبر : « ومن المقلّدة من لو طالبته بدليل المسألة ، استند إلى الإجماع ، وليس عنده إلاّ فتاوى المشايخ الثلاث يعني السيّد والمفيد والطوسي ، فادّعى الإجماع لمجرّد ذلك من جهة حسن ظنّه بهم وبفتاويهم » (١) ويطعن أيضا كثيرا مّا على الإجماع المنقول بأنّه إجماع في محلّ الخلاف.
وإن شئت لاحظ المعتبر في مسألة تحديد الكرّ بثلاثة أشبار ونصف في كلّ من أبعاده الثلاث.
ولأجل بعض ما ذكرناه أوّل الشهيد في الذكرى (٢) ـ على ما حكاه صاحب المعالم ـ كثيرا من الإجماعات المنقولة بتأويلات عديدة « من إرادة الشهرة ، أو عدم الظفر على المخالف حين النقل ، أو إرادة الإجماع على الرواية وتدوينها في كتب الحديث » (٣) ونحو ذلك.
ولكن لا يذهب عليك ، أنّه لا يلزم ممّا أنكرناه من وجه الحجّيّة سقوطه على إطلاقه عن الحجّيّة رأسا ، بل حيث أفاد الظنّ بالحكم الشرعي يدخل في عنوان الظنّ الاطمئناني الّذي نقول بحجّيّته.
وسيجيء الكلام فيه وفي إقامة الدليل عليه.
__________________
(١) المعتبر ١ : ٦٢.
(٢) الذكرى : ٥١١.
(٣) معالم الدين : ١٧٤.