فيدفعه : ظهور السؤال في كون اختلاف الحاكمين ناشئا من اختلاف الروايتين بل هذا صريح قول السائل : « وكلاهما اختلفا في حديثكم » مع ظهور الجواب بل صراحة ذيلها في كون المراد بيان المرجّح للروايتين اللتين استند إليهما الحاكمان ، ولذا قال : « ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الّذي حكما به المجمع عليه عند أصحابك ، فيؤخذ به من حكمنا ، ويترك الشاذ الّذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ـ إلى أن قال ـ : فإن كان الخبران عنكم مشهورين ، قد روى الثقات عنكم ، قال : ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة فيؤخذ به ، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنّة ووافق العامّة » (١) الحديث.
مضافا إلى صراحة غيرها في الخبرين المتعارضين ، مثل ما رواه الحسن بن الجهم عن الرضا عليهالسلام ، « قال : قلت له تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة ، فقال : ما جاءك عنّا فقس على كتاب الله عزّ وجلّ وأحاديثنا ، فإن كان يشبههما فهو منّا ، وإن لم يكن يشبههما فليس منّا ، قلت : يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم أيّهما الحقّ؟ قال : فإذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت » (٢).
وما رواه أيضا عن العبد الصالح عليهالسلام « قال : إذا جاءك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب الله وأحاديثنا فإن أشبهها فهو حقّ ، وإن لم يشبهها فهو باطل » (٣).
نعم قد يورد عليها : بأنّ دلالتها على اعتبار الخبر الغير المقطوع الصدور وإن كانت واضحة لا يمكن الاسترابة فيها ، ولكن لا إطلاق فيها يعمّ كلّ خبر غير مقطوع الصدور ، فغاية ما فيها الدلالة على قضيّة مهملة ، إذ لا يدري أنّ المعمول به عندهم المفروض وقوع التعارض فيه هل هو كلّ خبر أو نوع منه ، وأنّه أيّ نوع؟ أو أنّه صنف خاصّ منه؟
ويمكن الذبّ عنه في الجملة بأنّه يستفاد منها مناط ، وهو كون المدار في العمل بالوثوق والاطمئنان ، فيصير مفاد المجموع اعتبار خبر الثقة العادل ، ولذا قال عليهالسلام : في مرفوعة زرارة « خذّ بأعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك » (٤).
__________________
(١) الوسائل ٢٧ : ١٠٦ / ١ ، ب ٩ من أبواب صفات القاضي.
(٢) الوسائل ٢٧ : ١٢١ / ٤٠ ، ب ٩ من أبواب صفات القاضي.
(٣) الوسائل ٢٧ : ١٢٣ / ٤٨ ، ب ٩ من أبواب صفات القاضي.
(٤) عوالي اللآلي ٤ : ١٣٣ ح ٢٢٩ ومستدرك الوسائل : ١٧ / ٣٠٣ ح ٢.