كتاب معروف ، أو أصل مشهور ، وكان راويه ثقة لا ينكر حديثه سكتوا وسلّموا الأمر وقبلوا قوله ، هذه عادتهم وسجيّتهم من عهد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن بعد الأئمّة عليهمالسلام إلى زمان جعفر بن محمّد الّذي انتشر عنه العلم وكثرت الرواية من جهته ، فلولا أنّ العمل بهذه الأخبار كان جائزا لما أجمعوا على ذلك ، لأنّ إجماعهم فيه معصوم لا يجوز عليه الغلط والسهو ، والّذي يكشف عن ذلك أنّه لمّا كان العمل بالقياس محظورا عندهم في الشريعة لم يعملوا به أصلا ، وإذا شذّ منهم واحد عمل به في بعض المسائل واستعمله على وجه المحاجّة لخصمه وإن لم يكن اعتقاده ، ردّوا قوله وأنكروا عليه وتبرّأوا من قوله ، حتّى أنّهم يتركون تصانيف من وصفناه ورواياته لمّا كان عاملا بالقياس ، فلو كان العمل بالخبر الواحد جرى بذلك المجرى لوجب فيه أيضا مثل ذلك ، وقد علمنا خلافه.
فإن قيل : كيف تدّعي إجماع الفرقة المحقّة على العمل بخبر الواحد ، والمعلوم من حالها أنّها لا ترى العمل بخبر الواحد ، كما أنّ من المعلوم أنّها لا ترى العمل بالقياس ، فإذا جاز ادّعاء أحدهما جاز ادّعاء الآخر.
قيل : المعلوم من حالها الّذي لا ينكر أنّهم لا يرون العمل بخبر الواحد الّذي يرويه مخالفوهم في الاعتقاد ويختصّون بطريقه ، فأمّا ما كان رواته منهم وطريقه أصحابهم فقد بيّنا أنّ المعلوم خلاف ذلك.
فإن قيل : أليس شيوخكم لا يزالون يناظرون خصومهم في أنّ خبر الواحد لا يعمل به ، ويدفعونهم عن صحّة ذلك حتّى أنّ منهم من يقول : لا يجوز ذلك عقلا ، ومنهم من يقول : لا يجوز ذلك سمعا ، لأنّ الشرع لم يرد به ، وما رأينا أحدا تكلّم في جواز ذلك ، ولا صنّف فيه كتابا ، ولا أملى فيه مسألة ، فكيف أنتم تدّعون خلاف ذلك؟
قيل له : من أشرت إليهم من المنكرين لأخبار الآحاد إنّما تكلّموا من خالفهم في الاعتقاد ، ودفعوهم من وجوب العمل بما يروونه من الأخبار المتضمّنة للأحكام الّتي يروون خلافها ، وذلك صحيح على ما قدّمناه ، ولم نجدهم أنّهم اختلفوا فيما بينهم ، وأنكره بعضهم على بعض العمل بما يروونه إلاّ مسائل دلّ الدليل الموجب للعلم على صحّتها ، فإذا خالفوهم فيها أنكروا عليهم لمكان الأدلّة الموجبة للعلم والأخبار المتواترة بخلافه.
على أنّ الّذين اشير إليهم في السؤال أقوالهم متميّزة بين أقوال الطائفة المحقّة ، وقد علمنا أنّهم لم يكونوا أئمّة معصومين ، وكلّ قول قد علم قائله وعرف نسبه وتميّز من