أقاويل سائر الفرقة المحقّة لم يعتّد بذلك القول ، لأنّ قول الطائفة إنّما كان حجّة من حيث كان فيهم معصوم ، فإذا كان القول من غير معصوم علم أنّ قول المعصوم داخل في باقي الأقوال ، ووجب المصير إليه على ما بيّنته في الإجماع » انتهى (١) ما أردنا نقله من موضع الحاجة ، وعورض إجماعه الّذي عرفته بما تقدّم من إجماع السيّد (٢) على المنع.
ويمكن الذبّ تارة : بترجيح إجماع الشيخ.
واخرى : بالجمع بينه وبين إجماع السيّد ورفع التنافي عمّا بينهما.
أمّا الأوّل : فإمّا لأنّ الشيخ أبصر وأعرف بما هو المعهود المعمول به في فقه أهل البيت وفروع أحكامهم ، لكونه من الفقهاء وأهل الحديث ، بخلاف السيّد الّذي فنّه الكلام فيجوز أن يخفى عليه بعض ما هو من خصائص الفروع ، أو لاعتضاد إجماعه بموافقة المعظم وسائر الإجماعات المنقولة الآتية.
وأمّا الثاني فتارة : بتنزيل إجماع السيّد على خبر الواحد في الاصول ، لأنّه كان من المتكلّمين ومن مذهبهم منع العمل بخبر الواحد في المسائل الكلاميّة واصول العقائد ، وكان هو المعهود في نظر السيّد فأطلق المنع ونقل عليه الإجماع ، وهذا ممّا لا ينكره الشيخ ، بل ادّعى الإجماع على العمل به في الفروع ، وليس بمعلوم أنّ السيّد ينكره.
واخرى : بتزيل كلام السيّد على أخبار المخالفين المرويّة بطرقهم ـ كما أوّله بذلك المحقّق في المعتبر ـ (٣) والشيخ لا يخالفه ، بل تقدّم في كلامه ما هو صريح في منع العمل عليها ، وإنّما جوّز العمل بما رواه أصحابنا.
وثالثة : بتنزيل خبر الواحد المجرّد عن القرائن في معقد إجماع السيّد على ما تجرّد عن القرائن الموجبة للوثوق والاطمئنان ، بناء على كون مراده من العلم الّذي ادّعاه بصدق الأخبار مجرّد الاطمئنان ، فإنّ المحكي عنه في تعريف العلم بأنّه ما اقتضى سكون النفس (٤) ، وهو الّذي ادّعى بعض الأخباريّين (٥) أنّ مرادنا بالعلم بصدور الأخبار هو هذا المعنى ، لا اليقين الّذي لا يقبل الاحتمال.
ولم يظهر من تضاعيف كلمات الشيخ ، أزيد من تجويز العمل بالأخبار الموثوق بصدورها.
__________________
(١) العدّة ١ : ١٢٦ ـ ١٢٩.
(٢) رسائل الشريف المرتضى ١ : ٢٤ و ٣ : ٣٠٩.
(٣) المعتبر ١ : ٢٩.
(٤) الذريعة ١ : ٢٠.
(٥) هو المحدّث البحراني في الدرر النجفيّة : ٦٣.