فإنّ من جملة الأخبار قول النبيّ : « ستكثر بعدي القالة عليّ » (١) وقول الصادق عليهالسلام : « أنّ لكلّ رجل منّا رجلا يكذب عليه » (٢) واقتصر بعضهم من هذا الإفراط ، فقال : كلّ سليم السند يعمل به وما علم أن الكاذب قد يصدق ، ولم يتنبّه على أنّ ذلك طعن في علماء الشيعة وقدح في المذهب ، إذ ما مصنّف إلاّ وهو يعمل بالخبر المجروح كما يعمل بخبر العدل » (٣) إلى آخر ما أردنا ذكره ، وكلامه كما ترى صريح في أنّ علماء الشيعة يعملون بخبر العدل ، كما يعملون بخبر غيره أيضا ، ولا يتوهّم كون مرادهم العمل بأحدهما حيث أوجب العلم ، لأنّه إخراج لقوله عن معقد كلامه ، فإنّ كلامه في الخبر الغير العلمي ، فإنّه الّذي أحال استعماله عقلا قوم وشرعا آخرون ، كما نقلهما أيضا في ذيل كلامه المذكور.
ومنها : ما حكي عن الشهيد في الذكرى والمفيد الثاني ولد الشيخ الطوسي ، « من أنّ الأصحاب قد عملوا بشرائع أبي الحسن بن بابويه عند إعواز النصوص ، تنزيلا لفتاويه منزلة رواياته » (٤) ولو لا عمل الأصحاب برواياته الغير العلميّة لم يكن وجه في العمل بتلك الفتاوى عند فقد رواياته بل تقييد العمل بفتاويه بإعواز النصوص على الإطلاق يدلّ على أنّ الأصحاب كانوا يعملون بسائر النصوص غير رواياته عند وجودها ، ولا ينبغي أن يحتمل فيها إرادة النصوص العلميّة بدليل العدول عند إعوازها إلى فتاوى ابن بابويه ، لا إلى النصوص الغير العلميّة.
ومنها : ما حكي عن شيخنا البهائي في مشرق الشمسين من « أنّ الصحيح عند القدماء ما كان محفوفا بما يوجب ركون النفس إليه » (٥) قال شيخنا : « وذكر فيما يوجب الوثوق امورا لا تفيد إلاّ الظنّ ، ومعلوم أنّ الصحيح عندهم هو المعمول به ، وليس مثل الصحيح عند المتأخّرين في أنّه قد لا يعمل به لإعراض الأصحاب عنه ، أو لخلل آخر ، فالمراد أنّ المقبول المعمول به عند القدماء ما تركن إليه النفس وتثق به » (٦) انتهى.
وهذه الإجماعات المنقولة ـ وإن لم يصرّح بلفظ « الإجماع » في أكثرها ـ تفيد كثرتها واستفاضتها مع انضمام بعض القرائن إليها ـ مثل ذهاب معظم الأصحاب بل كلّهم عدا السيّد
__________________
(١) ورد قريب منه في الوسائل ٢٧ : ٢٠٦ / ١ ، ب ١٤ من أبواب صفات القاضي.
(٢) رواه في المعتبر مرسلا عن الصادق عليهالسلام ١ : ٢٩.
(٣) المعتبر ١ : ٢٩.
(٤) الذكرى ١ : ٥١.
(٥) مشرق الشمسين : ٢٦٩.
(٦) فرائد الاصول ١ : ٣٤٠.