وأتباعه من زمان الصدوق إلى زماننا هذا إلى حجّيّة الخبر الغير العلمي ـ العلم بحصول الإجماع على العمل بخبر الغير العلمي في الجملة ، والمتيقّن منه الخبر الموثوق بصدقه الموجب للاطمئنان.
وثانيها : أن يدّعى الإجماع حتّى من السيّد وأتباعه على وجوب العمل بخبر الواحد الغير العلمي في زماننا هذا وشبهه ممّا انسدّ فيه باب القرائن المفيدة للعلم بصدق الخبر ، ولا ينافيه منع السيّد لأنّ الظاهر أنّه منعه بزعم عدم الحاجة إلى خبر الواحد المجرّد ، كما يظهر ممّا ذكره في جواب ما اعترضه على نفسه بقوله : « فإن قلت : إذا سددتم طريق العمل بأخبار الآحاد ، فعلى أيّ شيء تعوّلون في الفقه كلّه؟
فأجاب بما حاصله : أنّ معظم الفقه يعلم بالضرورة والإجماع والأخبار العلميّة ، وما يبقى من المسائل الخلافيّة يرجع فيها إلى التخيير » (١) ولقد عثرنا في غير موضع من كلمات السيّد تجويز العمل بالظنّ على تقدير انسداد باب العلم ، ولكن يشكل ـ إتمام هذا التقرير بانضمام مقدّمة انسداد باب القرائن المفيدة للعلم بصدق الخبر ـ بأنّه يأبى ما هو المقصود بالبحث من حجّيّة خبر الواحد الغير العلمي من باب الظنّ الخاصّ الّذي لا يتفاوت فيه بين زماني انسداد باب العلم وانفتاحه ، قبالا للظنّ المطلق المنوط حجّيّته بانسداد باب العلم المختصّ بأزمنة الغيبة ، إلاّ أن يدفع : بإبداء الفرق بين انسداد باب القرائن المفيدة للعلم بصدق الخبر ، وانسداد باب العلم بالأحكام الواقعيّة ، وهذا هو مناط حجّيّة الظنّ المطلق ، وانسداد باب العلم بصدق الخبر لا يلازمه كما هو واضح.
وثالثها : استقرار سيرة المسلمين كافّة على استفادة الأحكام الشرعيّة من أخبار الثقات المتوسّطة بينهم وبين الإمام أو المجتهد ، من غير نكير ولا توقّف ، وكما أنّ عمل المقلّدين في أزمنة الغيبة بنقل الثقات بفتاوي مجتهديهم من غير نكير يكشف عن رضا المجتهدين بذلك ، أو وصول إذن إليهم من المجتهدين فيه ، فكذلك عمل أهل أزمنة الحضور بنقل الثقات لروايات الأئمّة يكشف عن رضا الأئمّة بذلك ، أو عن وصول إذن منهم في ذلك إليهم ، فعمل الفريقين إجماع عملي يكشف عن رضا الرئيس ، أو إذنه ، وهو المراد من السيرة.
وظنّي أنّ الإجماع بهذا التقرير أسدّ وأمتن من التقرير الأوّل.
وبالتأمّل فيما بيّناه من توجيه الاستدلال ، يندفع ما ذكره السيّد في جملة كلام له جوابا عمّا اعترضه على نفسه ، وهو « أنّه لا خلاف بين الامّة في أنّ من وكلّ وكيلا ، أو استناب
__________________
(١) رسائل الشريف المرتضى ٣ : ٣١٢ ـ ٣١٣.