هذه الكتب ، فهو ممّا علم خلافه بالعيان ، لكثرة ما فيها ممّا أعرضوا عنه لضعف سند ، أو إرسال أو مخالفة كتاب ، أو إجماع أو نحوه ، وإن اريد ثبوت الاتّفاق على العمل بها في الجملة على اختلاف العاملين في شروط العمل ، حتّى أنّه يجوز أن يكون المعمول به عند بعضهم مطروحا عند آخر ، فهذا لا ينفعنا إلاّ في حجّيّة ما علم اتّفاق الطائفة على العمل به بالخصوص ، وهذا لا يوجد في الأخبار إلاّ نادرا.
وثانيا : بأنّ ما ذكر من الإجماع لا ينفع حتّى في الخبر الّذي علم اتّفاق الطائفة على قبوله والعمل به ، لأنّ الشرط في الاتّفاق العملي أن يكون وجه عمل المجمعين [ معلوما ] ، وأن يكون إجماعهم على وجه واحد معلوم.
ألا ترى أنّه لو اتّفق جماعة من الرجال على عمل علم برضا الإمام بعملهم ، كاتّفاقهم على النظر إلى إمرأة لكن بعضهم لكونها زوجته ، وآخر لكونها امّ زوجته ، وآخر لكونها بنت زوجته ، وآخر لكونها منكوحة أبيه ، وآخر لكونها حليلة إبنه ، وآخر لكونها أمة ، وآخر لكونها بنته ، وآخر لكونها اخته ، وآخر لكونها عمّته ، وآخر لكونها خالته ، وآخر لكونها بنت أخيه ، وآخر لكونها بنت اخته ، وهكذا فهل يحلّ لغيرهم ممّن لا محرميّة بينه وبينها أن ينظر إليها ، لاتّفاق الجماعة الكاشف عن رضا الإمام؟ بل لو رأى عاقل شخص الإمام ينظر إلى امرأة ، فهل له التأسّي به؟ وليس هذا كلّه إلاّ من جهة أن الفعل بما هو فعل مجمل لا دلالة له على شيء إلاّ حيث علم وجهه ، ووجه اتّفاق الطائفة على العمل بهذه الأخبار غير معلوم ، فمن المحتمل أن يكون العمل بها من بعض المجمعين لكونها معلومة الصدور عنده بتواتر أو احتفاف قرينة ، ومن آخر لكونها قطعيّة العمل ، ومن ثالث لكونها مفيدة للظنّ الّذي هو الحجّة لا غير.
فكيف يمكن القول بأنّه يكشف عن رضا الإمام لنا على العمل بها على أنّها أخبار غير علميّة من حيث الخبريّة ، حتّى لو فرضنا أنّ من المجمعين من يعمل بها على هذا الوجه خصوصا مع علمنا بخطأ أكثر هؤلاء أو بعضهم في جهة العمل ، بل هذا في الحقيقة ليس من الاتّفاق على العمل بخبر الواحد الغير العلمي من حيث الخبريّة ، وإن لم يظنّ صدوره بل ولم يفد الظنّ بالحكم الواقعي (١).
هذا تمام الكلام في الاستدلال على الحجّية من جهة الإجماع.
__________________
(١) فرائد الاصول ١ : ٣٤٩ / ٣٥٠ مع اختلاف يسير.