التكليف بالنسبة إلينا أيضا ثابت بالأدلّة المذكورة ، فحينئذ يجب الرجوع إليهما بطريق العلم إن أمكن ، وإلاّ فيجب الرجوع بطريق الظنّ.
وبعبارة اخرى : وحينئذ فإن أمكن الرجوع إليهما على وجه يحصل العلم بهما بحكم أو الظنّ الخاصّ به فهو ، وإلاّ فالمتّبع هو الرجوع إليهما على وجه يحصل الظنّ منهما (١).
وقضيّة كلامه انقسام السنّة إلى ما هو قطعي وما هو ظنّي ، وكلاهما يجب الرجوع إليهما ، ولكن على وجه الترتيب لا مطلقا.
وهذا الانقسام كما ترى لا يتمشّي في الكتاب ، لأنّ الظاهر أنّ القطعيّة والظنّيّة هنا تعتبران بالنسبة إلى السند والصدور ، بدليل : أنّ مورد الدليل [ الّذي ] هو محلّ البحث إنّما هو خبر الواحد الغير العلمي ، قبالا للأخبار العلميّة لتواتر أو احتفاف قرائن ، وظنّيّة السند بالقياس إلى الكتاب غير متصوّر ، وحينئذ فإدراجه في الدليل ممّا لا جدوى فيه.
والعمدة من مورد الدليل هو السنّة ، لأنّ المقصود إنتاجه لوجوب العمل بالسنّة الظنّيّة ، وحينئذ فيرد عليه : أنّه إمّا يرجع إلى دليل الانسداد المنتج لحجّيّة مطلق الظنّ ولو في الجملة ، أو لا يرجع إلى محصّل أصلا ، لأنّ السنّة إن اريد بها معناها المصطلح عليه ـ وهو قول المعصوم أو فعله أو تقريره ـ فالدليل راجع إلى دليل الانسداد ، لاشتراط [ الرجوع ] إلى السنّة الظنّيّة والعمل بها بعدم إمكان العلم ، فيفيد وجوب العمل بكلّ ما يظنّ صدور بيانه من الحكم الواقعي من المعصوم بقول أو فعل أو تقرير ، وهذا لا يختصّ بالخبر المصطلح ، بل لو ظنّ من جهة الشهرة أو الإجماع المنقول أنّ الحكم المشهور أو معقد الإجماع صدر بيانه من المعصوم بقول أو فعل أو تقرير وجب الأخذ به ، وكذلك الاستقراء والأولويّة الظنّيّة إذا ظنّ من جهتهما صدور الحكم من المعصوم بإحدى الجهات.
نعم قد لا يظنّ بهما ذلك ، بل يظنّ بالحكم الواقعي من غير ظنّ بصدور بيانه منه ، وإن كان من الأحكام المخزونة عند الإمام ، إذ لا يلزم في كلّ ما هو مخزون عنده أن يكون ممّا صدر بيانه منه ، فإنّ كثيرا من الأحكام الواقعيّة لم يصدر بيانها من الأئمّة عليهمالسلام لمصلحة مقتضية لإخفائها ، أو تأخير بيانها إلى وقته المعلوم.
وإن اريد بها حكاية قوله أو فعله أو تقريره ، كما هو الاصطلاح في الخبر والحديث ،
__________________
(١) هداية المسترشدين : ٣٩٧ ، الوجه السادس.