استحساني ، لا أنّه حكم إلزامي إن قلنا بالتحسين والتقبيح العقليّين فكيف بأنّه لا نقول بهما.
وفيه : أنّه لا إشكال في أنّه حكم إلزامي ، وعليه إطباق العقلاء في امورهم ، بل نراهم مطبقين على ذمّ من أقدم على ما ظنّه ضررا ، بل نقول : إنّهم مطبقون على الالتزام بدفع الضرر المحتمل حيث كان الاحتمال عقلائيّا ، فضلا عن الضرر المظنون.
وقد يورد عليه أيضا : بأنّه لولا وجوب دفع الضرر المظنون أو المحتمل لزم سدّ باب إثبات وجوب معرفة الله ، لابتنائه على قاعدة وجوب شكر المنعم الّتي لا تتمّ إلاّ بمقدّمة وجوب دفع الضرر المظنون أو المحتمل ، وبأنّه لولا وجوبه لزم سدّ باب إثبات النبوّات وإفحام الأنبياء ، لأنّ نبوّة المتنبّي لا يثبت إلاّ بالنظر في معجزته ، ووجوبه يتوقّف على قاعدة وجوب دفع الضرر المظنون أو المحتمل ، وبأنّهم قيّدوا موضوع مسألة الحظر والاباحة المختلف فيها بالخلوّ عن أمارة المفسدة ، ويظهر منه أنّه لا نزاع في قبح الارتكاب مع وجودها.
والتمسّك بهذه الامور في مقام استكشاف الواقع حسن ، وأمّا في مقابلة الحاجبي فلا وقع فيها ، لأنّه من الأشاعرة وهم الّذين أنكروا التحسين والتقبيح العقليّين ، ثمّ تنزّلوا من باب المماشاة عن هذا الإنكار الكلّي ، وقالوا : بأنّ العقل لا حكم له في مسألتين :
إحداهما : مسألة وجوب شكر المنعم.
والاخرى : مسألة الأشياء النافعة الخالية عن أمارة المضرّة قبل ورود الشرع ، ولذا التزموا في كلّ من مسألتي وجوب معرفة الله ووجوب النظر بكون الوجوب شرعيّا لا عقليّا ، فالإيراد عليه حينئذ بنحو ما ذكر ليس على ما ينبغي.
وقد يورد عليه أيضا : بأنّ ما ذكره من ابتناء الكبرى على التحسين والتقبيح العقليين غير ظاهر ، لأنّ تحريم تعريض النفس للمهالك والمضارّ الدنيويّة والاخرويّة ممّا دلّ عليه الكتاب والسنّة ، مثل التعليل في آية النبأ وقوله تعالى : ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ )(١) وقوله تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ )(٢) إلى غير ذلك من الآيات ، وفيه : نظر واضح مع أنّه خروج عن الاستدلال بالدليل العقلي.
الثاني : ما عن العدّة (٣) والغنية (٤) وغيرهما (٥) من أنّ وجوب دفع الضرر المظنون مختصّ
__________________
(١) سورة البقرة : ١٩٥.
(٢) سورة النور : ٦٣.
(٣) العدّة ١ : ١٠٧.
(٤) الغنية ١ ( الجوامع الفقهيّة ) : ٤٧٦.
(٥) انظر الذريعة ٢ : ٥٤٩.