باب العلم بذلك الطريق أيضا ، نعلم أنّه كان بناءه على العمل بالظنّ في الطريق دون نفس الواقع.
ألا ترى أنّ المقلّد يعمل بالظنّ في تعيين المجتهد لا في نفس الحكم الواقعي ، والقاضي يعمل بالظنّ في تحصيل الطرق المنصوبة له لقطع الخصومات ، كالبيّنة واليمين والنكول والقرعة والإقرار وغيره من موازين القضاء ، لا في تحصيل الحقّ الواقعي بين المتخاصمين ، ولعلّ السرّ في ذلك : أنّه إذا عيّن الطريق للواقع دلّ ذلك على أنّ مطلوبه تحصيل الواقع بذلك الطريق لا مطلقا ، ولزم من ذلك أنّه إذا انسدّ باب العلم بالطريق أن يعمل بالظنّ في تعيينه لا في تحصيل نفس الواقع.
قلت : هذه دعوى كاذبة ومغالطة واضحة ، ويكفي في استكشاف كذبها أنّه إذا كان باب العلم مفتوحا بالنسبة إلى الحكم الواقعي وطريقه معا ، فإنّا نقطع بأنّ المكلّف حينئذ مخيّر بين إدراك الحكم الواقعي بتحصيل العلم به ، وإدراك مؤدّى الطريق المنصوب له بتحصيل العلم به.
وهذا يدلّ على أنّ خصوصيّة الطريق لا مدخليّة له في مطلوب الشارع ، بل مطلوبه أحد الأمرين من الامتثال العلمي لنفس الحكم الواقعي ، والامتثال العلمي لبدله الّذي هو مؤدّى الطريق ، وإذا انسدّ باب العلم بهما معا وانحصر طريق الامتثال في العمل بالظنّ ـ تحصيلا للامتثال الظنّي المتقدّم في حكم العقل على الامتثال الاحتمالي والمتأخّر عن الامتثال العلمي ـ لزمه أن يكون مطلوبه أيضا أحد الأمرين ، من الامتثال الظنّي لنفس الحكم الواقعي الحاصل من العمل بالظنّ في تعيين الواقع ، والامتثال الظنّي لبدله الحاصل من العمل بالظنّ في تعيين الطريق.
ومن ذلك يعلم كذب دعوى العلم بكون بناء الشارع بعد انسداد باب العلم بالطريق أيضا على العمل بالظنّ [ في الطريق ] دون نفس الواقع ، فإنّ العلم بما ذكر ممّا لا مستند له من العقل والنقل ، بل المعلوم من جهة العقل كما عرفت خلافه ، وتنظير المقام بمسألتي المقلّد والقاضي وارد على خلاف التحقيق ، لوضوح الفرق بين المسألتين وما نحن فيه ، فإنّ الظنون الّتي يستعملها المجتهد في كلّ من تحصيل الواقع وتعيين الطريق كلّها من واد واحد ، وهي الظنون الاجتهاديّة المتعارفة المقتدّم إليها الإشارة من أخبار الآحاد المعتبرة ، والاجماعات المنقولة ، وظهور الإجماع والشهرة والاستقراء والأولويّة الظنّيّة ، وهذه ظنون يغلب فيها المطابقة مع عدم مع الشارع عن شيء منها بالخصوص ، كما منع عن القياس.
ومثل هذه الظنون في الانضباط وغلبة المطابقة الظنون الّتي يستعملها المقلّد في تعيين