سواء أفاد الظنّ بالواقع أو لم يفد.
وثانيا : أنّه يرجع إلى ترجيح بعض الظنون على بعض آخر ، فإنّ سلسلة الظنون المطلقة ثلاثة : منها : الظنون المظنون الاعتبار.
ومنها : الظنون المشكوك الاعتبار.
ومنها : الظنون الموهوم الاعتبار.
والظنّ بالواقع الحاصل من الطريق المظنون الطريقيّة ، مندرج في الظنون المظنون الاعتبار ، وترجيحه على الظنّ بالواقع يرجع إلى ترجيح الظنون المظنون الاعتبار على الظنون المشكوك الاعتبار والظنون الموهوم الاعتبار ، وهذا الترجيح مبنيّ على القول بكون نتيجة دليل الانسداد مهملة ، قاضية بملاحظة الترجيح بين الظنون ومراعاة بينها ، ومن المرجّحات كون الظنّ مظنون الاعتبار بالقياس إلى مشكوكه وموهومه.
وأمّا على القول بكونها محصورة كلّيّة ، فلا حاجة إلى الترجيح لأنّ الجميع حجّة.
وأمّا الكلام في أنّها مهملة أو كلّيّة ، فهو كلام آخر لا مدخل له بالظنّ في الطريق ، وسيأتي القول فيه مشروحا.
وثانيهما : ما قرّره في هداية المسترشدين (١) « بأنّه لا ريب في كوننا مكلّفين بأحكام الشريعة وأنّه لم يسقط عنّا التكاليف والأحكام الشرعيّة في الجملة ، وأنّ الواجب علينا أوّلا هو تحصيل العلم بتفريغ الذمّة في حكم المكلّف ، بأن يقطع معه بحكمه بتفريغ ذمّتنا عمّا كلّفنا به ، وسقوط التكليف عنّا ، سواء حصل العلم منه بأداء الواقع أو لا ، حسب ما مرّ تفصيل القول فيه.
وحينئذ فنقول إن صحّ لنا تحصيل العلم بتفريغ الذمّة في حكم الشارع فلا إشكال في وجوبه وحصول البراءة به ، وإن انسدّ علينا سبيل العلم به كان الواجب علينا تحصيل الظنّ بالبراءة في حكمه ، إذ هو أقرب إلى العلم به فتعيّن الأخذ به عند التنزّل من العلم في حكم العقل بعد انسداد سبيل العلم [ به ] والقطع ببقاء التكليف ، دون ما يحصل معه الظنّ بأداء الواقع ، كما يدّعيه القائل بأصالة حجّيّة الظنّ وبينهما بون بعيد ، إذ المعتبر في الوجه الأوّل هو الأخذ بما يظنّ كونه حجّة بقيام دليل ظنّي على حجّيّته ، سواء حصل منه الظنّ بالواقع أو لا.
وفي الوجه الثاني لا يلزم حصول الظنّ بالبراءة في حكم الشارع ، إذ لا يستلزم مجرّد
__________________
(١) هداية المسترشدين : ٣٩٤.