الظنّ بالواقع الظنّ باكتفاء المكلّف بذلك الظنّ في العمل ، سيّما بعد النهي عن اتّباع الظنّ ، فإذا تعيّن تحصيل ذلك بمقتضى حكم العقل لزم اعتبار أمر آخر يظنّ معه برضا المكلّف بالعمل به ، وليس ذلك إلاّ الدليل الظنّي الدالّ على حجّيّته ، فكلّ طريق قام دليل ظنّي على حجّيّته عند الشارع يكون حجّة ، دون ما لم يقم عليه ذلك » انتهى (١).
وأشار بقوله : « حسبما مرّ تفصيل القول فيه » إلى ما حقّقه سابقا في مقدّمات هذا الباب بقوله : « رابعها ـ يعني رابع المقدّمات ـ : أنّ المناط في وجوب الأخذ بالعلم وتحصيل اليقين من الدليل هل هو اليقين بمصادفة الأحكام الواقعيّة الأوّليّة إلاّ أن يقوم دليل على الاكتفاء بغيره ، أو أنّ الواجب أوّلا هو تحصيل اليقين بتحصيل الأحكام وأداء الأعمال على وجه أراده الشارع في الظاهر ، وحكم معه بتفريغ ذمّتنا بملاحظة الطرق المقرّرة لمعرفتها ممّا جعلها وسيلة للوصول إليها سواء علم بمطابقة الواقع أو ظنّ ذلك ، أو لم يحصل شيء منهما؟ وجهان.
والذي يقتضيه التحقيق هو الثاني ، فإنّه قدر الّذي يحكم العقل بوجوبه ، ودلّت الأدلّة المتقدّمة على اعتباره ، ولو حصل العلم بها على الوجه المذكور لم يحكم العقل بوجوب تحصيل العلم بما في الواقع ، إذ لم يبن الشريعة من أوّل الأمر على وجوب تحصيل كلّ من الأحكام الواقعيّة على سبيل القطع واليقين ، ولم يقع التكليف به حين انفتاح سبيل العلم بالواقع ، وفي ملاحظة طريقة السلف من زمن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام كفاية في ذلك ، إذ لم يوجب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على جميع من في بلده من الرجال والنسوان السماع منه في تبليغ الأحكام ، أو حصول التواتر لآحادهم بالنسبة إلى آحاد الأحكام ، أو قيام القرينة القاطعة على عدم تعمّد الكذب أو الغلط في الفهم ، أو في سماع اللفظ بالنظر إلى الجميع ، بل لو سمعوه من الثقة اكتفوا به ـ إلى أن قال ـ : ويشهد بذلك أيضا ملاحظة الحال في موضوعات الأحكام ، فإنّه اكتفى الشارع في ابتنائها بطرق مخصوصة من غير إلزام بتحصيل العلم بها بالخصوص لما فيه من الحرج والمشقّة في كثير من الصور ، فإذا كان الحال في الموضوعات على الوجه المذكور مع كون تحصيل العلم بها أسهل ، فذلك بالنسبة إلى الأحكام أولى ، وأيضا من الواضح كون المقصود من الفقه هو العمل وتحصيل العلم به إنّما هو من جهة العلم بصحّة العمل ، وأدائه مطابقا للواقع.
ومن البيّن أنّ صحّة العمل لا يتوقّف على العلم بالحكم ، كما لا يتوقّف على العلم
__________________
(١) هداية المسترشدين : ٣٩١.