بالموضوع ، والاقتصار على خصوص العلم بالنسبة إلى الحكم لا يثمر العلم بصحّة العمل بالنظر إلى الواقع مع الاكتفاء بغيره في تحصيل الموضوع ، وليس المتحصّل للمكلّف حينئذ بالنسبة إلى العمل إلاّ العلم بمطابقة العمل لظاهر الشريعة ، والقطع بالخروج عن العهدة في حكم الشارع ، فينبغي أن يكون ذلك هو المناط بالنسبة إلى العلمين.
فتحصّل ممّا قرّرنا : كون العلم الّذي هو مناط التكليف أوّلا هو العلم بالأحكام من الوجه المقرّر شرعا لمعرفتها والوصول إليها ، والواجب بالنسبة إلى العمل هو أدائه على وجه يقطع معه بتفريغ الذمّة في حكم الشرع ، سواء حصل العلم بأدائه على طبق الواقع ، أو على طبق الطريق المقرّر من الشرع ، وإن لم يعلم ولم يظنّ بمطابقتها لمتن الواقع.
وبعبارة اخرى : لابدّ من معرفة أداء المكلّف به على وجه اليقين ، أو على وجه منته إلى اليقين ، من غير فرق بين الوجهين ولا ترتيب بينهما ، ولو لم يظهر طريق مقرّر من الشرع لمعرفتها تعيّن الأخذ بالعلم بالواقع على حسب إمكانه ، إذ هو طريق إلى الواقع بحكم العقل ، من غير توقّف لإيصاله إلى الواقع على بيان الشرع بخلاف غيره من الطرق المقرّرة » انتهى ما أردنا نقله من كلامه (١).
وفيه : مع ما فيه من تهافت بعض عباراته لبعض آخر ، أنّ مبناه على الغفلة عن حقيقة معنى الطريق ، وتخيّل أنّه ما يقابل الواقع ، غفلة عن أنّ ما يقابل الشيء لا يعقل كونه طريقا إليه.
وتوضيحه : أنّه قد ظهر من تقرير دليل الانسداد أنّ العمدة من مقدّماته القطع ببقاء التكليف ، وهذا ينحلّ إلى العلم الإجمالي بثبوت الأحكام الواقعيّة الالزاميّة في حقّنا ، كما كانت ثابتة في حقّ أصحاب النبيّ ومن يحذو حذوهم مع القطع بكوننا مكلّفين بامتثالها ، ومعنى امتثالها موافقتها على وجه يصدق عليها الإطاعة ، فلا يكفي فيها الموافقة الاتّفاقيّة بل يعتبر كونها موافقة اختياريّة ، وإنّما يتأتّى الموافقة الاختياريّة بسلوك طريق يثبت طريقيّته بحكم العقل ، كالأسباب المفيدة للعلم بالأحكام الواقعيّة ، كالسماع عن النبيّ أو الوصيّ والخبر المتواتر أو المحفوف بالقرائن المفيدة للقطع ، أو بجعل الشارع كأخبار الثقات والعدول من أصحاب النبيّ والوصيّ ، ونوّابهما المنصوبين في بلدهما أو بلاد اخر.
والفرق بين الطريق العقلي والطريق الجعلي ، أنّ الأوّل يعتبر حصول العلم منه بالحكم الواقعي.
__________________
(١) هداية المسترشدين : ٣٨٤ ـ ٣٨٥.