ويمكن أن يقرّر محصّل مرامه بوجهين :
الأوّل : أنّ دليل الانسداد بمقدّماته مفروض في أسباب الظنّ الّتي بطبائعها ولذواتها تفيد الظنّ ، بأن تكون الذات فيها مقتضية لحصول الظنّ ، وإن لم يحصل في بعض الأحيان لمانع ، فيخرج عنها القياس لعدم إفادته الظنّ بطبعه ولذاته ، وعدم كون ذاته مقتضية له ، وإن كان قد يفيده من باب المقارنة الاتّفاقيّة ، والمنع في الأدلّة المانعة لأجل الإرشاد إلى ذلك والتنبيه عليه ، ومرجعه إلى رفع توهّم كونه من الأسباب المفيدة للظنّ لذواتها ، فيكون استثنائه المفروض مع دليل الانسداد للانقطاع (١).
وثانيهما : أنّ الشارع جعل لنا أحكاما ، وأرادها منّا من الأسباب المفيدة للظنّ ، الّتي يقال لها : الأدلّة الدالّة على مراد الشارع ظنّا ، فدليل الانسداد مفروض في الأسباب المفيدة للظنّ بالأحكام على أنّها مرادة للشارع منها ، فيخرج منها القياس ، فإنّه وإن كان قد يفيد الظنّ بالحكم ، ولكن لا من حيث إنّه مراد منه ، فإنّ الأدلّة المانعة من العمل به لبيان أنّ الأحكام المجعولة لموارد القياس لم يردها الشارع من القياس.
وعلى أحد هذين التوجيهين ينطبق أيضا قوله في موضع آخر : « أنّ القياس مستثنى من الأدلّة الظنّيّة ، لا أنّ الظنّ القياسي مستثنى من مطلق الظنّ » والاستثناء في الموضعين على كلا التوجيهين عبارة عن التنبيه على خروج القياس من موضوع حكم العقل لا عن الإخراج من حكمه.
وعلى ما بيّناه فلا ينبغي دفع كلامه « بأنّ نتيجة المقدّمات المذكورة لا تتغيّر بتقريرها على وجه دون وجه ، فإنّ مرجع ما ذكر من الحكم بوجوب الرجوع إلى الأمارات الظنّيّة في الجملة إلى العمل بالظنّ في الجملة ، إذ ليس لذات الأمارة مدخليّة في الحجّيّة في لحاظ العقل ، والمناط هو وصف الظنّ سواء اعتبر مطلقا ، أو على وجه الإهمال.
وقد تقدّم أنّ النتيجة على تقدير الحكومة ليست مهملة ، بل هي معيّنة للظنّ الاطمئناني مع الكفاية ومع عدمها فمطلق الظنّ ، وعلى كلا التقديرين لا وجه لإخراج القياس.
وأمّا على تقرير الكشف فهي مهملة لا يشكل معها خروج القياس ، إذ الإشكال مبنيّ على
__________________
(١) أي يكون الاستثناء المفروض حينئذ على طريقة الاستثناء المنقطع وهو إخراج القياس عن موضوع حكم العقل الّذي هو مورد دليل الانسداد لا عن حكمه ليكون تخصيصا في الدليل العقلى.