المطلب الثاني :
فيما لو قام ظنّ بعدم حجّيّة ظنّ آخر ، على معنى منعه من العمل به ، وتحريمه إيّاه ، لا على عدم الدليل على حجّيّته كالشهرة القائمة على عدم حجّية الشهرة ، استنادا إلى عدم الدليل على الحجّيّة ، ويسمّى الظنّ الأوّل بالمانع والثاني بالممنوع ، ففي وجوب الأخذ بالظنّ الممنوع أو المانع ، أو بالأقوى منهما ، أو التساقط وجوه ، بل قيل أقوال :
وقد نسب شيخنا (١) أوّلها إلى بعض مشايخه (٢) ، بناء منه على ما يراه من أنّ دليل الانسداد يثبت به حجّيّة الظنّ في الفروع لا في المسائل الاصوليّة ، والظنّ القائم بعدم حجّيّة ظنّ آخر ظنّ في المسألة الاصوليّة فلا اعتبار به ، فيتعيّن الأخذ بالظنّ الممنوع لأنّه ظنّ في المسألة الفرعيّة.
واللازم من مذهب (٣) أهل القول بالظنّ في الطريق ثانيها ، لأنّه الّذي اقتضى دليل الانسداد اعتباره لا الظنّ بنفس الواقع ، بناء على أنّ الظنّ في الطريق أعمّ ممّا يفيد إثبات الطريق وما يفيد نفيه.
ومن مشايخنا من اختار الرجوع إلى الأقوى ، ممنوعا كان أو مانعا إن كان وإلاّ فالتساقط ، قال : « وإذا ظنّ بالشهرة نهى الشارع عن العمل بالأولويّة فيلاحظ مرتبة هذا الظنّ ، فكلّ أولويّة في المسألة كان أقوى مرتبة من ذلك الظنّ الحاصل من الشهرة اخذ به ، وكلّ أولويّة كان أضعف منه وجب طرحه ، وإذا لم يتحقّق الترجيح بالقوّة حكم بالتساقط ، لعدم استقلال العقل بشيء منهما حينئذ » (٤).
أقول : وظنّي أنّ القولين الأوّلين خارجان عن مسألة مزاحمة الظنّ المانع للظنّ الممنوع ، لأنّ المنع أمر نسبي بين المانع والممنوع ، ولا يعقل تحقّقه مع عدم ثبوت حجّيّة أحدهما بدليل الانسداد.
وقضيّة بناء الأخذ بالظنّ الممنوع في القول الأوّل على عدم ثبوت حجّيّة الظنّ في المسائل الاصوليّة ، بقاء الظنّ الممنوع سليما عمّا يزاحمه ، لأنّ ما فرض كونه مانعا باق تحت أصالة التحريم ، فلا يعقل منه المنع من العمل بالظنّ في المسألة الفرعيّة ، كما أنّ قضيّة بناء الأخذ بالظنّ المانع في القول الثاني على عدم ثبوت حجّية الظنّ بنفس الواقع بدليل
__________________
(١) فرائد الاصول ١ : ٥٣٢.
(٢) هو شريف العلماء رحمهالله.
(٣) هو صاحب الفصول : ٢٧٧.
(٤) فرائد الاصول ١ : ٥٣٦.