نعم إذا حصل الظنّ منه في خصوص مورد لا يحكم بترجيح غيره عليه في مقام البراءة عن الواقع ، لكن يصحّ للشارع المنع عنه تعبّدا ، بحيث يظهر منه : أنّي لا اريد الواقعيّات الّتي تضمّنها ، فيحسن له النهي عن العمل به في جميع موارده حتّى مورد حصل الظنّ منه بالواقع ، وإن فرض مطابقته الواقع في هذا المورد ، فالمحسّن لنهي الشارع عن سلوكه على وجه الطريقيّة كونه في علم الشارع مؤدّيا في الغالب إلى مخالفة الواقع.
والأصل في ذلك : أنّه كما أنّ العقل مستقلّ بإدراك حسن الوقوع في مفسدة قليلة دفعا للمفاسد الكثيرة ، وبإدراك حسن الوقوع في مفسدة يسيرة توصّلا إلى المصالح الكثيرة ، وبإدراك حسن تفويت محصلة قليلة دفعا للمفاسد الكثيرة ، وبإدراك حسن تفويت مصلحة يسيرة توصّلا إلى المصالح الكثيرة ، فكذلك مستقلّ بإدراك حسن أن ينهى الشارع عن سلوك طريق ظنّي يغلب مخالفته الواقع في جميع موارده حتّى مورد حصل منه الظنّ بالواقع وإن فرض مطابقته له ، إذ غاية ما يلزم منه تفويت مصلحة الواقع في ذلك المورد ، وهو إذا كان لدفع الوقوع في المفاسد الكثيرة اللازم من غلبة مخالفته الواقع ممّا لا قبح فيه ، بل قد عرفت استقلال العقل بحسنه ، ونظيره في الشرعيّات أنّه يصحّ للشارع أن يقول للوسواسي القاطع بنجاسة ثوبه « لا اريد منك الصلاة بطهارة الثوب » ، وإن كان ثوبه في الواقع نجسا حسما لمادّة وسواسه ، وفي العرفيّات ما لو نصب الرجل ولده الصغير في دكّانه ، وهو يعلم من حاله أنّه يبيع أمتعة الدّكان بحسب ظنونه القاصرة للمنفعة الّتي يغلب فيها المخالفة الموجبة لغلبة الخسارة ، فيصحّ له نهيه عن البيع بحسب ظنونه في جميع مواردها ، وإن لزم منه في بعض الموارد فوات المنفعة ، لأنّه تفويت منفعة يؤدّي إلى دفع الخسارات الكثيرة.
ولا ريب أنّ العقل بعد ما اطّلع على حال القياس بكشف الشارع عن غلبة مخالفته الواقع ، لا يعمّ حكمه القياس ولا الظنّ القياسي بوجوب سلوك الطرق الظنّيّة لإدراك أكثر الأحكام الواقعيّة المجهولة المسدود فيها باب العلم ، فلا تخصيص في حكم العقل أصلا.
وإن شئت قلت : إنّ حكمه بوجوب سلوك الطرق الظنّيّة مبنيّ على غلبة مطابقتها الواقع ، فيخرج عنها ما يغلب مخالفته له ، وقد كشف الشارع له عن كون القياس على هذه الحالة ، فليتأمّل (١).
__________________
(١) فرائد الاصول ٢ : ٢٥٩ ـ ٥٣٠ ـ ٥٣١ ـ نقلا بالمعنى.