فيترتّب عليه سائر الآثار ، مثل كونه جابرا ضعف سند أو قصوره ، أو قصور دلالة من جهة الإجمال أو ضعفها ، كالدلالة على المفهوم في التعليق على الوصف المشعر بالعلّيّة ، أو موهنا لسند معتبر في نفسه ، أو دلالة معتبرة ، أو مرجّحا لأحد المتعارضين على الآخر ، فها هنا مباحث :
المبحث الأوّل
في انجبار الظنّ الغير المعتبر
فنقول : إنّ عدم اعتبار الظنّ المبحوث كونه جابرا إمّا أن يكون من جهة ورود النهي عنه بالخصوص كالقياس ، أو من جهة دخوله في أصالة التحريم بالعموم.
أمّا القسم الأوّل : فينبغي القطع بعدم كونه صالحا للجبر في جميع وجوهه ، لعموم النهي الوارد في الأخبار الناهية المفيد لكون استعمال القياس في الدين مبغوضا للشارع ، سواء كان استعماله على وجه اتّخاذه دليلا على الحكم الشرعي بالاستقلال ، أو على وجه جعله جابرا لضعف أو قصور سند أو دلالة ، من غير فرق بين كون الجهة الباعثة على نهي الشارع اشتماله على مفسدة ذاتيّة ، أو غلبة مخالفته الواقع.
وأمّا القسم الثاني : فظاهر أدلّة أصالة التحريم من عمومات الآيات والروايات يساعد على عدم صلاحيّته للجبر أيضا ، فإنّ اتّخاذه جابرا للسند اتّباع لما عدا العلم ، فيعمّه قوله تعالى : ( لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ )(١) واتّباع للظنّ فيعمّه المنع المستفاد من قوله : ( إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ )(٢) ويتأكّد ذلك بالتعليل بأنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئا ، لدخول جبر السند في عموم النكرة المنفيّة.
نعم يمكن أن يستظهر جواز الجبر به من الأدلّة المتقدّمة في حجّيّة خبر الواحد الدالّة على إناطة الحجّيّة بالظنّ والوثوق بصدوره ، لرجوع الظنّ الموافق للخبر الضعيف إلى الظنّ بصدوره ، فيكون حجّة بموجب أدلّة الحجّيّة ، وهذا هو معنى الجبر ، إلاّ أن يدفع الاستظهار : بأنّ مفاد أدلّة حجّيّة المجبور كونه مفيدا للظنّ بصدوره ولو لقرينة داخليّة ، لا مجرّد كونه مظنون الصدور وإن حصل الظنّ من أمارة خارجيّة غير معتبرة.
ومحلّ البحث هو هذا فلا يندرج في أدلّة الحجّيّة ، وهذا هو الّذي يساعد عليه التدبّر
__________________
(١) سورة الإسراء : ٣٦.
(٢) سورة الأنعام : ١١٦.