في مساق أدلّة الحجّيّة ، فإنّ العمدة منها في الدلالة على المناط المذكور هي الطائفة الثانية من الأخبار المتقدّمة في باب حجّيّة خبر الواحد ، الدالّة على كون مناط الحجّيّة وثاقة الراوي ، أو عدالته أو أمانته ، بعبارة : أنّ فلانا ثقة ، أو أنّ فلانا وفلانا ثقتان ، أو أنّ فلانا مأمون في دينه ، وما يؤدّي مؤدّى هذه العبارات.
ولا ريب أنّه لا ينساق منها أزيد من كون مناط الحجّيّة إفادة الخبر باعتبار وثاقة الراوي ومأمونيّته الظنّ والوثوق بصدوره ، وهذا ليس من جبر ضعف السند ، أو قصوره بالظنّ الغير المعتبر في شيء.
لا يقال : إنّ ما في جملة من الأخبار العلاجيّة ، كمقبولة ابن حنظلة ومرفوعة زرارة ، وغيرهما من الدلالة على الترجيح تارة بأعدليّة الراوي ، أو أصدقيّته ، أو أفقهيّته ، واخرى بموافقة الكتاب أو مخالفة العامّة ، دليل على أنّ مناط الحجّيّة أعمّ من كونه بنفسه مفيدا للظنّ بصدوره ، كما في الترجيح بالأعدليّة واختيها ، لأنّها من القرائن الداخليّة ، أو كونه مظنون الصدور لأمارة خارجيّة ، كما في الترجيح بموافقة الكتاب أو مخالفة العامّة ، لأنّهما من القرائن الخارجيّة.
لأنّا نقول : إنّ إناطة ترجيح إحدى الحجّتين على الاخرى بما يوجب ظنّ الصدور ، غير إناطة إثبات الحجّيّة بما يفيد ظنّ الصدور ، وكلامنا في الثاني فلا يندرج في أخبار الترجيح.
ويظهر الثمرة : في الخبر الضعيف الخالي عن المعارض المظنون صدوره من جهة أمارة خارجيّة غير معتبرة ، فهل يصير بمجرّد ذلك حجّة أو لا؟ الوجه العدم لعدم جواز التعويل على الظنّ المذكور ، لعموم أصالة التحريم وعدم الدليل المخرج له عنها.
وممّا ذكرنا اتّضح أنّ ما اشتهر بينهم ، من انجبار ضعف سند الخبر بالشهرة في الفتوى كما نسب إلى المشهور ممّا لا أصل له ، وفاقا لثاني الشهيدين (١) المنكر لقاعدة الانجبار ، إذ غاية ما يمكن أن يقال في بيان مدركه أنّ الشهرة توجب الظنّ بصدوره ، والخبر المظنون صدوره حجّة.
وفيه : منع كلّ من الصغرى والكبرى.
أمّا الأوّل : فلمنع إفادة الشهرة في الفتوى الظنّ بصدور ذلك الخبر ، بل أقصى ما يفيده الظنّ بمطابقة مضمونه لنفس الأمر.
__________________
(١) المسالك ٦ : ١٥٦.