والأولى في الجواب أن يقال : بأنّ الإطاعة في نفسها ظاهرة في موافقة الخطاب أمرا أو نهيا ، سواء اضيفت إلى الله الّذي يستحيل في حقّه التأسّي ، أو إلى الرسول أو اولي الأمر ، فلا تتناول التأسّي بهما في فعلهما ، مضافا إلى تطرّق المنع إلى دلالة الأمر هنا على الوجوب ، لكونه إرشاديّا معرّى عن الطلب.
ومنها : قوله تعالى : ( زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ )(١) فإنّ قوله : « لكى لا يكون على المؤمنين حرج » في معنى ليتأسّوا به في تزويج أزواج أدعيائهم من غير حرج عليهم من جهة العار أو ملامة الناس ، بمعنى أنّهم إذا رأوا أنّ النبيّ تزوّج بزوجة دعيه يتأسّون به في ذلك بلا حرج ، فدلّ ذلك على وجوب التأسّي به.
واجيب : تارة بأنّ نفي الحرج عن التأسّي به إباحة له ، لا أنّه إيجاب له.
واخرى : بأنّه أعمّ من الإيجاب والندب والإباحة ، والعامّ لا يدلّ على الخاصّ.
ومنها : المروي في الفقيه باسناده عن عبد الله بن المغيرة عن سالم عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : أوصي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى عليّ عليهالسلام وحده ، وأوصى عليّ عليهالسلام إلى الحسن والحسين عليهماالسلام جميعا ، فكان الحسن أمامه فدخل رجل يوم عرفة على الحسن عليهالسلام وهو يتعذّى والحسين صائم ، ثمّ جاء بعدما قبض الحسن عليهالسلام فدخل على الحسين عليهالسلام يوم عرفة وهو يتغذى وعليّ بن الحسين عليهالسلام صائم ، فقال له الرجل : إنّي دخلت على الحسن عليهالسلام وهو يتغذّى وأنت صائم ، ثمّ دخلت عليك وأنت مفطر ، فقال : إنّ الحسن عليهالسلام كان إماما فأفطر لئلاّ يتّخذ صومه سنّة وليتأسّي به الناس ، فلمّا أن قبض كنت أنا الإمام فأردت أن لا يتّخذ الناس صومي سنّة فيتأسّى الناس بي » (٢).
والجواب : أنّه لدفع « توهّم الناس وجوب صوم يوم عرفة ، لا لإيجاب التأسّي به عليهالسلام في إفطاره ، وقوله : « ليتأسّى به الناس » مع قوله : فيتأسّى الناس بي » ليس بظاهر في الإيجاب ، إلاّ أن يرجع الإيجاب إلى اعتقاد الاستحباب أو عدم الوجوب.
والإنصاف : أنّ أدلّة وجوب التأسّي بالمعصوم في فعله المعلوم وجهه غير تامّة ، فلا يثبت بها وجوبه.
نعم يثبت بفعله الخاصّ الّذي هو الوجه المفروض كونه معلوما في حقّ غيره ، لحجّيّة فعله باعتبار كونه معصوما ، لا يعصى ولا يجهل بحكم الله ولا يسهو ولا ينسى ، فلا يأتي
__________________
(١) سورة الأحزاب : ٣٧.
(٢) من لا يحضره الفقيه ٢ : ٨٨ / ١٨١٠.