عنه لاستحالة التأدّي والتوصّل بدونه ، ولا ملازمة بين أخذ التركيب في مفهوم النظر وبين أخذه في معنى الدليل لبناء كلّ على الاصطلاح ولا مشاحّة فيه ، فتأمّل.
والأوجه الأوّل ، فدليل حدوث العالم عند المنطقي هو مجموع قولنا : « العالم متغيّر ، وكلّ متغيّر حادث » وعند الاصولي هو « المتغيّر ».
ومن الأعلام من مثّل مكان الأوسط بالأصغر حيث قال ـ في تضاعيف مسألة التقليد في اصول الدين عند شرح الدليل ـ : « فالعالم عند الاصوليّين دليل على إثبات الصانع وعند المنطقيّين العالم حادث وكلّ حادث له صانع » (١) وهذا يقتضي أن يكون دليل حدوث العالم أيضا عند الاصوليّين هو العالم.
وهذا بظاهره غير سديد لأنّ « العالم » من حيث هو ملزوم للحدوث ، ومن المستحيل نهوض الملزوم دليلا على لازمه في موضع الشكّ في لزومه له.
وغاية ما يمكن أن يقال في توجيهه هو : أنّ العالم من حيث إنّه متغيّر دليل ، وهذا أيضا لا يتمّ ، لأنّ المتغيّر له اعتباران : اعتبار كونه لازما للعالم ، واعتبار كونه ملزوما وإنّما يكون دليلا إذا اخذ بالاعتبارين لا بالاعتبار الأوّل فقط.
ومرجع التوجيه إلى فرض « المتغيّر » باعتبار كونه لازما للعالم دليلا وهو خلاف الاصطلاح.
وبعبارة اخرى : أنّ الأوسط قد يؤخذ باعتبار الملازمة بينه وبين الأصغر ويتولّد منه الصغرى ، وقد يؤخذ باعتبار الملازمة بينه وبين الأكبر ويتولّد منه الكبرى ، وإنّما يكون دليلا في مصطلح الاصولي إذا اخذ بالاعتبارين معا.
بل لنا أن نقول ـ بالنظر إلى ظاهر إطلاقاتهم ـ : إنّه يكون دليلا إذا اخذ بالاعتبار الثاني فقط ، كما يفصح عنه إطلاقهم الدليل على الأربع الّتي كلّها أوساط مأخوذة بهذا الاعتبار لا غير ، كما يعلم وجهه بأدنى تأمّل.
وكان السرّ في إحداث هذا الاصطلاح أنّ العمدة في التوصّل والجزء الأعظم من المركّب إنّما هو الأوسط بالاعتبارين بل بالاعتبار الثاني ، حتّى أنّ بعضهم سمّاه بالجزء المقوّم ، فغلب اسم الكلّ على جزئه الأعظم ، مراعاة لمناسبة أنّ محطّ نظرهم في مباحث الفنّ هو الأدلّة الأربع المأخوذة بالاعتبار المذكور ، فالأوسط المأخوذ بهذا الاعتبار ملزوم في الملازمة بينه وبين الحكم الشرعي في أدلّة الأحكام الشرعيّة فهو مع هذه الملازمة إن كانا
__________________
(١) القوانين ٢ : ١٩٦.