بحيث احرز أحدهما أو كلاهما بالعقل يقال له : الدليل العقلي ، وإلاّ يقال له : الدليل الشرعي.
وهذا البيان في الكتاب والسنّة واضح ، لاستناد ثبوت الملزوم فيهما ـ باعتبار كونه كلام الله أو قول امنائه أو فعلهم أو تقريرهم ـ إلى الشرع.
وكذا الإجماع على طريقة أصحابنا القائلين بحجّيته من حيث الكشف عن قول المعصوم تضمّنا أو التزاما عقليّا أو عاديّا ، فإنّ الملازمة حينئذ معتبرة بين الإجماع الكاشف والحكم الشرعي ، فصحّ استناد الملزوم وهو الإجماع الكاشف إلى الشرع ، لأنّ النسبة يكفي فيها أدنى ملابسة.
وأمّا على طريقة العامّة القائلة بحجّيّته لذاته ومن حيث هو ، فثبوت الملزوم وهو الإجماع بمعنى الأقوال المحترمة من الامّة وإن لم يكن مستندا إلى الشرع حيث لا التفات لهم إلى جهة الكشف ، إلاّ أنّ الملازمة بينه وبين الحكم الشرعي تثبت عندهم بالشرع ، كما يعلم ذلك بملاحظة استدلالهم لإثباتها بجملة من الآيات والروايات.
لا يقال : إنّ الضابط المذكور بالقياس إلى الأدلّة غير متحقّق في الكتاب والسنّة ، فإنّ كلام الله تعالى كقول امنائه أو فعلهم أو تقريرهم إنّما يكشف عن الحكم الشرعي لملازمة واقعيّة أثبتها العقل بواسطة استحالة الكذب عليه تعالى وعليهم ، مضافا إلى عصمتهم.
لأنّ الملازمة هاهنا بعد ما ثبت في المسائل الكلاميّة من وجوب حكمته وصدقه تعالى وامتناع الكذب وفعل القبيح عليه ووجوب عصمة امنائه الملزومة لصدقهم ، لا تفتقر إلى إثبات في لحاظ الاستدلال بها على الأحكام الشرعيّة ، لينظر في أنّ المثبت لها هل هو الشرع أو العقل ، بل هي بعد ثبوت الصفات المذكورة في المسائل الكلاميّة بالقياس إلى كلامه تعالى وقول امنائه وغيره ممّا ذكر ضروريّ الثبوت ، بل بمثابة القضايا الّتي قياساتها معها.
وبالجملة ليس الغرض من الأدلّة العقليّة المقامة على الصفات المذكورة إثبات الدليليّة لهذه الامور لتكون الملازمة الّتي هي الدليليّة مستندة في ثبوتها إلى العقل بل الغرض إنّما هو تحصيل المعرفة المعتبرة في تحقّق الإيمان أو كماله.
ثمّ إذا أخذنا بها في مقام الاستنباط كانت الملازمة بينها وبين الأحكام الشرعيّة من القضايا الّتي قياساتها معها من غير حاجة لها إلى إثبات بالشرع أو العقل.
وهو السرّ في عدم تعرّض الاصوليّين في المباحث الاصوليّة لإثبات هذه الملازمة ، كما تعرّضوا لها في الإجماع أو العقل أو غيرهما من الأدلّة الغير العلميّة.