وتوهّم أنّ الملازمة حينئذ مستندة إلى الصفات المذكورة المستندة إلى الأدلّة العقليّة الكلاميّة فصحّ استنادها إلى العقل ، لأنّ المستند إلى المستند إلى شيء يستند إلى ذلك الشيء ، مضافا إلى أنّ المتكلّمين يستدلّون في إثبات العصمة لامناء الله تعالى بأنّه لولاها لارتفع الوثوق بقولهم في الإخبار عن الله تعالى أو عن رسوله ، وقضيّة ذلك كون النظر في مسألة إثبات العصمة إلى إثبات الملازمة بين قولهم وما يخبرون به من الأحكام والشرائع.
يدفعه : أنّ المراد من استناد ثبوت الملزوم أو الملازمة إلى الشرع أو العقل ما يكون أوّليّا ، وهو أن يكون الاستناد بدون توسّط شيء آخر ، وإلاّ كانت الأدلّة بأسرها عقليّة لانتهاء حجّية الجميع إلى العقل ، وليس النظر في الاستدلال المذكور في المسألة الكلاميّة إلى الاستدلال على الملازمة بدليل العصمة ، بل إلى الاستدلال على العصمة بملزوم الملازمة أو عينها ، وذلك لأنّه لمّا ثبتت في المطالب الكلاميّة أنّ غرضه تعالى ومقصوده الأصلي من إرسال الرسل ونصب الأوصياء إنّما هو تبليغ الأحكام والشرائع إلى العباد ، ولا يتمّ ذلك إلاّ بعصمتهم المانعة عن الكذب والخطأ والسهو والنسيان فلولاها لزم نقض الغرض ، لارتفاع الوثوق عن قولهم مع احتمال أحد المذكورات ، ودليليّة قولهم مثلا من لوازم هذه الفائدة بلزوم ضروريّ غير مفتقر إلى إثبات ولا استدلال.
ولو سلّم كونها عينها فاستناد ثبوتها إلى الشرع من حيث إنّها فائدة قصدها الله تعالى من إرسال الرسل ونصب الأوصياء أولى من استناده إلى العقل.
وبما قرّرناه في ضابط الدليل الشرعي ظهر أنّ ما عن الفاضل التوني في الوافية (١) وتبعه بعض الأعاظم من جعل ما ثبت فيه كلّ من الملزوم والملازمة بالشرع ـ كالملازمة بين القصر والإفطار ـ دليلا عقليّا ، ليس على ما ينبغي.
وقد يوجّه : بأنّ الملازمة في نحو ذلك وإن ثبتت بالشرع إلاّ أنّ اللازم يثبت بالعقل لحكمه بعدم انفكاك اللازم عن الملزوم بل استحالة انفكاكه ، ويزيّفه : أنّ الملازمة إذا ثبتت بالشرع فلا حاجة إلى حكم من العقل بعدم الانفكاك أو استحالته إلاّ من باب تأكيد حكم الشرع ، إذ الملازمة من الملزوم بمعنى استحالة انفكاك الملازم عن الملزوم أو عدم انفكاكه ، فاللازم يستند في ثبوته إلى الشرع ، ولو فرض هاهنا حكم من العقل أيضا كان تأكيدا لحكم الشرع ، وكذا الحال على تقدير كون القضيّة اتّفاقيّة ، فبعد حكم الشرع فيها بالملازمة
__________________
(١) الوافية : ٢١٩.