فما سبق إلى بعض الأوهام من نقض عكسه بمثل وجوب المقدّمة وحرمة الضدّ وغيرهما من الاستلزامات ـ تعليلا بأنّ ظاهر عبارة التعريف تغاير الحكمين ليتوصّل بأحدهما إلى الآخر ، إذ يستحيل التوصّل بدونه ، وحكم العقل في الموارد المذكورة وهو الوجوب والحرمة متّحد مع حكم الشرع ، إذ ليس حكم المقدّمة والضدّ شرعا إلاّ الوجوب والحرمة ـ ممّا لا ينبغي الإصغاء إليه ، إذ ليس حكم العقل في المسألتين وغيرهما هو الوجوب والحرمة ، بل حكمه بالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّماته أو حرمة ضدّه ، وبذلك يتوصّل إلى الحكم الشرعي وهو وجوب المقدّمة في مسألة طيّ مسافة الحجّ ، وحرمة الضدّ كالصلاة في المسجد مكان إزالة النجاسة عنه.
ولا ريب أنّهما متغايران ، وعلى تقدير كون حكم العقل في الموارد المذكورة هو الوجوب والحرمة يتطرّق المنع إلى اتّحاده مع حكم الشرع ، لوضوح أنّ حكم العقل فيها إنّما هو الوجوب أو الحرمة بمعنى مفهوم الوجوب والحرمة ، والحكم الشرعي الّذي يتوصّل إليه إنّما هو مصداق الوجوب والحرمة ، وهو المعنى الإنشائي الجزئي الحقيقي القائم بنفس الآمر.
وبذلك ظهر أنّه لا حاجة في التفصّي عن النقض إلى تكلّف الالتزام بالتغاير الاعتباري الحاصل باعتبار الحاكم ، بدعوى : أنّ وجوب المقدّمة من حيث إنّ الحاكم به العقل يغايره من حيث إنّ الحاكم به الشرع.
وقولنا : « يتوصّل به إلى حكم شرعي » معناه تأثير الحكم العقلي في التوصّل إلى الحكم الشرعي ، بحيث يسند إليه التوصّل في العقل والعرف إسنادا حقيقيّا.
وبهذا يندفع ما قد يورد على التعريف : من أنّ التوصّل به إلى الحكم الشرعي إن اريد به كون الحكم العقلي علّة تامّة للتوصّل انتقض عكس التعريف رأسا ، إذ ليس في الأحكام العقليّة ما يكون علّة تامّة للتوصّل ، إذ غايته كون الحكم العقلي إحدى مقدّمتي القياس الّذي يستحيل التوصّل بدونه.
وإن اريد به مجرّد المدخليّة في التوصّل انتقض طرد التعريف بالمقدّمات العقليّة المعمولة في تتميم الاستدلال بالدليل الشرعي الموصل إلى الحكم الشرعي كوجوب اللطف ، وقبح الخطاب بما له ظاهر وإرادة خلافه ، وقبح الإغراء بالجهل ، وقبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وقبح النسخ قبل حضور الوقت ، وقبح التكليف بما لا يطاق وغير ذلك.
وقلّما يتّفق في الأدلّة الشرعيّة ما لا حاجة في تتميم الاستدلال به إلى بعض هذه