المقدّمات ، فيلزم أن يصدق على الحكم المستفاد من الأدلّة الشرعيّة كونه ما يتوصّل إليه بحكم عقلي وهو باطل ، لأنّه لا يقال عليه : إنّه حكم مستفاد من الدليل العقلي.
وقولنا : « حكم شرعي » يراد به الحكم الفعلي الّذي يجب التديّن به وبناء العمل عليه ، سواء كان حكما واقعيّا كوجوب ردّ الوديعة وحرمة الظلم المتوصّل إليهما بواسطة الحسن والقبح العقليّين ، أو حكما ظاهريّا معلّقا على عدم ورود الشرع بالخلاف كإباحة تناول الأشياء النافعة الخالية عن أمارات المفسدة المتوصّل إليها بواسطة الحسن العقلي ، بمعنى عدم كون الفعل على صفة توجب استحقاق الذمّ.
لا يقال : قضيّة ذلك دخول موضوع مسألة الإباحة والحظر في عنوان مسألة التحسين والتقبيح العقليّين ، فيلزم كون الأشياء المذكورة من المستقلاّت العقليّة ، وهذا ينافي ما يوجد في كلام القائلين بالتحسين والتقبيح العقليّين من التصريح بكون هذه الأشياء ممّا لا يستقلّ العقل فيها بإدراك حسن ولا قبح.
ومن ذلك عبارة الفاضل الجواد قائلا : « الأشياء الغير الضروريّة عند المعتزلة قسمان ما يدرك العقل حسنها وقبحها وينقسم إلى الأحكام الخمسة ـ إلى أن قال ـ : وما لا يدرك العقل حسنها ولا قبحها لكنّها ممّا ينتفع بها ، كشمّ الورد وأكل الفاكهة مثلا ، فهذه قبل ورود الشرع ممّا اختلف في حكمها » إلى آخر ما ذكره (١).
لأنّا لا نسلّم أنّ كلّ القائلين بالتحسين والتقبيح العقليّين صرّحوا بذلك ، ولو صرّح به بعضهم فهو مبنيّ على مختاره في هذه الأشياء من منع إدراك العقل فيها حسنا وقبحا ، وستعرف أنّه أحد أقوال المعتزلة في تلك الأشياء تبعا للأشاعرة وهو لا ينافي كونها عند غيره ممّا يدرك العقل حسنها الملزوم للإباحة كما عليه أكثرهم أو قبحها الملزوم للحظر كما عليه جماعة منهم.
وممّا يشهد بذلك أيضا تعبيرهم عن عنوان مسألة الحظر والإباحة على مذهب الأشاعرة بمسألة « التنزّل » بمعنى أنّ الأشاعرة نازعوا العدليّة في مسألة التحسين والتقبيح العقليّين فأنكروا إدراك العقل فيها الحسن والقبح بالكلّية على طريقة السلب الكلّي قبالا لقول العدليّة بالإدراك على طريقة الإيجاب الجزئي.
ثمّ سلّموا الإدراك في الجملة من باب التنزّل والمماشاة وأنكروه في الأشياء النافعة
__________________
(١) شرح الزبدة ـ للفاضل الجواد ـ.