قبل ورود الشرع ووافقهم جماعة من المعتزلة ، ولولا هذه الأشياء من جزئيّات عنوان مسألة التحسين والتقبيح بل كانت قسيما له لم يكن للتنزّل معنى كما لا يخفى.
ولو سلّم تصريح كلّهم بما ذكر أمكن كون المراد بالحسن المنفيّ في هذه الأشياء ما هو ملزوم الوجوب ، وهو كون الفعل على صفة توجب استحقاق المدح ، وهذا لا ينافي كونه ممّا يدرك فيه الحسن بمعنى ملزوم الإباحة.
وستعرف أنّ الحسن قد يطلق عندهم على ما يعمّه ، ومنه تفسير الحسن ب « ما لا حرج في فعله » ويرادفه ما في تهذيب العلاّمة من تفسيره ب « الفعل الّذي لا يكون على صفة تؤثّر في استحقاق الذمّ قبالا للقبيح وهو الّذي يكون على صفة تؤثّر في استحقاق الذمّ » (١).
وممّا بيّنّاه ظهر أنّ ما عرفت عن الفاضل لا يخلو عن اختلال ، إذ لو أراد بكون الأشياء المذكورة ممّا لا يدرك العقل حسنها ولا قبحها عند المعتزلة كونها كذلك عند جميعهم على معنى اطباقهم عليه فهو كذب وفرية ، وإن أراد كونه كذلك عند بعضهم فهو حقّ ، لكنّه خلاف ظاهر عبارته.
والعجب أنّه قدسسره بعد ما وافق الأكثر في هذه الأشياء بالقول بالإباحة أشكل عليه الأمر بالنظر إلى ما ذكره أوّلا فأورد على نفسه سؤالا يرجع إلى توهّم التدافع قائلا : « لكن يبقى شيء وهو أنّ الحكم بالحسن فيما نحن فيه لا يجتمع مع فرض أنّه ممّا لا يدرك بالعقل حسنه ولا قبحه ».
ثمّ تكلّف في دفعه بوجهين :
أحدهما : أنّ العقل لا يدرك الحسن والقبح بالنظر إلى خصوصيّاتها ويحكم حكما عامّا بالحسن بالنسبة إلى الجميع.
وملخّصه : أنّ العقل إذا لاحظ أكل الفاكهة مثلا بهذا العنوان الخاصّ لا يحكم فيه بشيء من الحسن والقبح وإذا لاحظه بعنوان أنّه ما اشتمل على المنفعة يحكم بحسنه فلا منافاة.
وثانيهما : أنّ العقل لا يدرك حسنها ولا قبحها ابتداءا أو مجرّدة عن ملاحظة شيء آخر ولا ينافي ذلك حكمه بالحسن عامّا بالنظر إلى الدليل.
ومحصّله : أنّ العقل لا يدرك حسنها ولا قبحها إدراكا ضروريّا بحيث لا يحتاج في إدراكه إلى النظر في وسط ، وهو لا ينافي إدراكه الحسن بطريق النظر.
__________________
(١) تهذيب الوصول إلى علم الاصول : ٥٢ ـ ٥٣ ( نقلا بالمعنى ).