الضروري لأكثر الموحّدين المتشرّعين الناظرين في الإلهيّات ببلوغ نظرهم فيها ـ ولا سيّما أركان الإيمان وصفات الواجب ـ إلى مرتبة العلم ، أنّ هذا إنّما يتوجّه لو كان مبنى الاستدلال على إثبات وجوب النظر بالعقل باعتبار كونه مقدّمة لمعرفة الله الواجبة وليس كذلك ، بل على إثباته باعتبار حكم العقل عموما بوجوب دفع الضرر المحتمل وإزالة خوف العقوبة عن النفس ، الّذي يكفي في حصوله احتمال صدق المقدّمات المذكورة مع احتمال صدق النبيّ في إخباره بنبوّته وحقيّة شريعته ، ووجوب معرفة الله سبحانه ووعيده على المخالفة بالعذاب الأليم والخلود في نار الجحيم في دار الآخرة.
وتوهّم لزوم توسيط قاعدة المقدّمية في تتميم الاستدلال على هذا التقدير أيضا باعتبار كون النظر مقدّمة لدفع الضرر فيتوجّه سؤال نظريّة وجوب المقدّمة وبه يلزم الإفحام أيضا.
يدفعه : منع مقدّميّة النظر لدفع الضرر ، بل هو من أفراده ومصاديقه ، وإجراء حكم الكلّي الثابت له بالعقل أو الشرع عموما على فرد له ليس من باب قاعدة المقدّمية ، لما قرّرناه في محلّه من عدم كون فرد الكلّي من مقدّماته ، ولو سلّم كون النظر مقدّمة سببيّة لدفع الضرر من غير جهة الفرديّة فهو من الأسباب الّتي وجوبها عين وجوب مسبّباتها ، لا أنّها من الأسباب الّتي تجب بوجوب المسبّبات لقاعدة المقدّمية ، بأن يكون وجوبها متفرّعا على القول بوجوب المقدّمة ، وهي الّتي يكون بينها وبين مسبّباتها ترتّب في الوجود الخارجي وتغاير بحسب المفهوم والمصداق ، فإنّ النظر وجوده في الخارج عين وجود مسبّبه وهو دفع الضرر وإزالة الخوف عن النفس من دون تغاير بينهما إلاّ بحسب المفهوم والعنوان ، كتكرار الصلاة في جميع موارده لتحصيل العلم بأداء المأمور به الواقعي ، وقد تقدّم في بحث المقدّمة أنّ وجوب نحو هذا السبب عين وجوب مسبّبه ولا يمكن التفكيك بينهما في الوجوب بناء على القول بعدم وجوب المقدّمة ، وحينئذ نقول : إنّ العقل إنّما يحكم بوجوب النظر على معنى استحقاق تاركه الذمّ بلحاظ أنّه بعينه دفع للضرر وإزالة للخوف لعدم تغايرهما بحسب الوجود ، إذ بمجرّد حصوله يزول الخوف بانكشاف صدق النبيّ المستتبع لحصول معرفة الله تعالى.
نعم إنّما يتغاير معه في الوجود زوال الخوف ويكون النظر بالقياس إليه من الأسباب الّتي بينها وبين مسبّباتها ترتّب في الوجود الخارجي ، ولكن موضوع حكم العقل ليس هو النظر بعنوان أنّه زوال الخوف ليتفرّع وجوبه على القول بحكم العقل بوجوب مقدّمة