الواجب ، بل بعنوان أنّه إزالة للخوف.
ولا ريب أنّهما لا يتغايران إلاّ بحسب العنوان من دون ترتّب بينهما في الوجود ، والفرق بين إزالة الخوف وزواله واضح من حيث إنّ الأوّل فعل اختياري للمكلّف ولا خارج له إلاّ النظر ، فإذا حصل باستكمال النظر لزمه ترتّب الزوال عليه قهرا.
ثمّ إنّ هذا الوجوب العقلي كاف في إقدام المكلّف على النظر ، لأنّ العقل بمجرّد إدراك هذا الوجوب يلزم المكلّف به ويحرّكه إليه ، ولا حاجة معه إلى إلزام آخر من الشرع ليعود محذور الإفحام.
وثانيها : أنّهما لو لم يكونا عقليّين لم تجب معرفة الله تعالى ، لتوقّف معرفة الإيجاب على معرفة الموجب ، المتوقّفة على معرفة الإيجاب ، فيدور.
وتفصيل ذلك : أنّ الاشاعرة لمّا أنكروا الحسن العقلي ، قالوا : إنّ حسن المعرفة ووجوبها إنّما كان بأمره تعالى وإيجابه ، حيث يقول : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ )(١) وحينئذ فيتوجّه أنّ معرفة إيجابه موقوفة على معرفته بالضرورة لمكان الاضافة ، فيجيء الدور.
وأمّا عندنا فلمّا كان شكر المنعم واجبا عقليّا لزمنا معرفته لنتمكّن من شكره بما يليق ، إذ لا يعقل شكر من لا يعرف ، هذا على ما في كلام السيّد الكاظمي رحمهالله في شرحه للوافية.
ولنا في وضع الدليل نظر ، مرجعه إلى منع الدور ثمّ منع الملازمة ، إذ لا يعتبر في معرفة الله تعالى معرفته بوصف كونه موجبا ليتوقّف على معرفة إيجابه ، بل معرفته من حيث هو ، وهي لا تتوقّف على معرفة إيجابه المعرفة بل على النظر في تحصيل المعرفة ، فقصارى ما يلزم من انتفاء معرفة الله هو عدم معرفة ايجابه المعرفة لا عدم وجوب معرفته في الواقع ، فيتطرّق المنع حينئذ إلى الملازمة.
إلاّ أن يقال : إنّ المراد من قولنا : « لم يجب معرفة الله » أنّه لم يعرف وجوب معرفة الله.
ويرد عليه : مع ما فيه من التكلّف ، عدم ابتنائه على إلزام الدور مع عدم لزومه على ما عرفت.
ثمّ إنّه لمّا كان مبنى هذا الدليل في طريقة أصحابنا على وجوب شكر المنعم فلا بأس بالتعرّض لبيانه ، والإشارة إلى ما يرد عليه ثمّ إصلاحه ، وبيان تقريب الاستدلال به.
فنقول : إنّ المعروف من تقريره أنّ كلّ عاقل يراجع نفسه يرى أنّ عليه نعما ظاهرة
__________________
(١) محمّد : ١٩.