الشرع ووروده ، بل ومع إنكار الشرائع ، وليس هذا إلاّ من جهة تحريك العقل وإرشاده بعد إدراكه الحسن والقبح من غير حاجة إلى إيجاب من موجب.
ويمكن تقرير الدليل المذكور على وجه يكون نتيجته وجوب النظر في معرفة الله تعالى ، بأن يقال : إنّهما لو لم يكونا بالعقل لما وجب النظر في معرفة الله تعالى وإلاّ لزم الدور ، لأنّ وجوب النظر المفروض استفادته من إيجابه تعالى موقوف على معرفة الله ، وأنّه هل يجب اتباعه أم لا؟ ومعرفته كذلك موقوفة على وجوب النظر في معرفة الله المفروضة.
وأمّا عندنا فوجوبه عقليّ مستفاد إمّا من قاعدة وجوب شكر المنعم وقد تقدّم تقريرها ، لكن لا بدّ من انضمام مقدّمة اخرى إلى البيان المتقدّم وهو أنّ معرفة المنعم إنّما تتمّ بالنظر ، لأنّ التقليد غايته إفادة الظنّ وهو لا يزيل الخوف ، وما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب ، لأنّه لو لا انضمامه لم يفد البيان المتقدّم كيفيّة تحصيل المعرفة ولا تعيّن كونها بالنظر.
أو قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل وإزالة الخوف عن النفس ، وقد عرفت بيانها أيضا في تتميم الاستدلال بالوجه الأوّل.
ونزيد هاهنا أنّ العاقل المتفطّن قبل دخوله في الإسلام أو غيره إذا سمع المسلمين يقولون : إنّ للعالم صانعا ، وقد خلق جنّة وجحيما ، وأرسل نبيّا بشريعة ونصب له وصيّا لحفظ شريعته ، وأراد من العباد معرفته ومعرفة نبيّه ووصيّ نبيّه والتصديق بشريعته والتديّن بجميع ذلك بعد المعرفة ، وفرض عليهم طاعته وطاعة نبيّه ووصيّ نبيّه ، ووعد لمن عرف جميع ذلك وتديّن وأطاع الدخول في الجنّة والخلود في نعيمها ، وأوعد لمن جهل شيئا من ذلك أو جحده عنادا بالدخول في الجحيم والخلود في عذابها ، فهو لا محالة يحسّ في نفسه الخوف بترك المعرفة ، فيجب إزالته عقلا بتحصيل المعرفة ، ولا تتمّ إلاّ بالنظر المفيد للعلم.
ولو أردنا تقرير هذا الدليل لنفي كفاية الظنّ ولا التقليد في معرفة الله أضفنا إليه أنّ الخوف لا يزول بالتعويل على الأمارات الظنّية الّتي ليس من شأنها دوام الإصابة للواقع ، ولا الركون إلى التقليد الّذي لو خلّي وطبعه ليس بدائم الإفادة للمعرفة ولا بدائم الإصابة للواقع ، ولو من جهة اشتباه المحقّ بالمبطل وعدم التمكّن من تميز أهل الحقّ من أهل الباطل إلاّ بالنظر.
هذا ولكنّ التقرير المذكور للدليل أيضا يندفع بمنع التوقّف في المقدّمة الاولى ، فإنّ المتوقّف على معرفة الله هو العلم بوجوب النظر لا نفس وجوب النظر ، بحيث يلزم من انتفائها عدم وجوب النظر في الواقع ، ثمّ بمنع التوقّف في المقدّمة الثانية لعدم توقّف معرفة