الله على وجوب النظر بل إنّما يتوقّف على أصل النظر وجب أو لم يجب ، فالإنصاف أنّه لا يمكن إلزام الأشاعرة على بطلان مذهبهم بهذا الدليل بشيء من تقريريه.
وثالثها : أنّهما لو لم يكونا بالعقل لجاز منه تعالى إظهار المعجزة بيد الكاذب إضلالا للعباد فينسدّ باب إثبات النبوّات ، ولجاز منه الكذب في وعده ووعيده فيرتفع الوثوق بهما فينتفي فائدة التكليف.
وبيان الملازمة : واضح ، لبناء مذهب الخصم على أنّه لا يقبح عليه تعالى شيء عقلا ، وبطلان اللازم أوضح ، بخلاف ما عليه العدليّة لقبح الإضلال والكذب عليه تعالى عقلا ، فيمتنع صدوره منه لعلمه وحكمته وغنائه.
وتوهّم أنّه يكفي في الامتناع قبحه في الشرع واضح الفساد ، لأنّ القبح الشرعي إنّما يثبت باعتبار كونه منهيّا عنه ومن المستحيل توجّه ذلك النهي إليه تعالى ، مع أنّ هذا القبح يثبت بالشرع والكلام إنّما هو في إثبات الشرع الّذي منه هذا القبح فيستحيل توقّفه عليه لرجوعه إلى توقّف الشيء على نفسه.
وأمّا ما عن بعض قاصريهم في دفع الاستدلال من أنّ صدقه تعالى في وعده ووعيده وصدق أنبيائه في دعوى النبوّة إنّما يحرز بجريان عادته تعالى بعدم الكذب وعدم إظهار المعجزة بيد الكاذب.
فيدفعه : أنّ جريان عادته تعالى بذلك إن اريد به إمكانه فلا ينفع لأنّه لا يوجب الوقوع ، وإن اريد به الوقوع فلا محرز له في نظر المكلّف لقيام احتمال إظهاره المعجزة بيد الكاذب عنده في جميع الأنبياء ، وقيام احتمال الكذب في وعده ووعيده الواردين في جميع الشرائع ، مع أنّه لا داعي له إلى هذه العادة بعد الالتزام بأنّه لا يقبح عليه شيء.
وتوهّم أنّ الداعي عدم خروج فعله تعالى في بعث الأنبياء وجعل التكاليف بلا فائدة.
يدفعه أنّه لا ضير في ذلك عندهم لتجويزهم عليه تعالى أن يفعل لا لغرض ولا داع ، مع أنّ العادة لكونها ناشئة عن التكرّر والغلبة أمارة ظنّية وغايتها الظنّ وهو لا يدفع احتمال الكذب في المقامين ، فالمحذور على حاله سيّما مع ملاحظة جواز التخلف في العادات ، مع أنّ العادة إنّما تنشأ عن التكرار وهو مسبوق على المرّة فيستحيل إحراز العادة بالقياس إلى المرّة الاولى والثانية فلا نافي للاحتمال فيهما ، ويلزم منه عدم التمكّن من إحرازها بالقياس إلى الثالثة وهكذا إلى آخر النبوّات.