ومن الفضلاء من أورد في المقام سؤالا وهو كون إشكال ارتفاع الوثوق بإخباره تعالى بالمعاد وبسائر مواعيده مشترك الورود بين القول بنفي التحسين والتقبيح وبين القول بثبوتهما بالوجوه والاعتبارات ، إذ على هذا القول يجوز عند العقل أن يتحقّق في الكذب مصلحة مرجّحة لوقوعه رافعة لقبحه ، فإذا تطرّق هذا الاحتمال إلى تلك الإخبار عاد الإشكال.
قال : « وربّما أمكن تأييده بما ثبت عند أصحابنا الإماميّة من جواز التقيّة على الإمام ، فإنّها لا تختصّ عندهم بالأفعال بل يجري في الأقوال أيضا ، فإذا جاز أن يقول الإمام عبارة كاشفة عن الواقع على خلاف ما هو عليه مراعاة لمصلحة التقيّة جاز مثله في حقّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بل وفي حقّه تعالى أيضا ، فكيف يحصل الوثوق بتلك الأخبار.
ومن هنا ذهب بعض الزنادقة من المنتسبين إلى الإسلام إلى أنّ الأخبار الواردة في الشريعة ممّا يتعلّق بتعذيب الكفّار والفسّاق بأسرها أخبار صوريّة غير مطابقة للواقع ، قصد بها مجرّد التخويف لحفظ النظام وتكميل الأنام » (١).
ويدفعه : أنّ قضيّة قاعدة التحسين والتقبيح العقليّين قبح الكذب على الله تعالى مطلقا حتّى على القول المذكور ، لامتناع تحقّق الجهة المحسّنة له في حقّه تعالى وهو الاضطرار إليه لحفظ نفس محترمة أو دفع ضرر يخاف طروّه ولا يتسامح فيه عند العقلاء ، وضابطه انحصار الطريق في الإتيان بكلام غير مطابق يترتّب عليه ما قصد من حفظ نفس أو دفع ضرر ، ومنه التقيّة في القول الواجبة على الإمام عليهالسلام من الوقاية بمعنى الحفظ ، فإنّه إنّما كان يراعيها عند الاضطرار إلى الإتيان بعبارة غير مطابقة ـ ولو بطريق التورية ـ لحفظ نفسه الشريفة أو دفع شرّ الأعداء عنه أو عن شيعته في العاجل أو الآجل ، وهذه هي الحكمة الباعثة على التقيّة في أفعالهم أيضا حتّى أنّها قد تبلغ بهم إلى اختيار الغيبة على الظهور ـ مع توقّف الحكمة الباعثة على نصبه وهو التصرّف والتدبير في الامور الدينيّة على ظهوره ـ إذا لم يكن مندوحة في حفظ نفسه الشريفة عنها ، كما اتّفق ذلك لإمام عصرنا عجّل الله فرجه ، حيث إنّه لما انتهت نوبة الإمامة إليه عليهالسلام ولم يكن له بدل يقوم مقامه فيما وجوده لطف فيه على تقدير إصابة الأعداء إيّاه بقتل أو إهلاك ـ كما كان لآبائه السالفين عليهمالسلام ـ تعيّن عليه التوقّي عن ضررهم بما لم يتعيّن على آبائه عليهمالسلام وهو الغيبة.
ووجه امتناع الاضطرار إلى الكذب في حقّه تعالى رجوعه إلى العجز عمّا يترتّب عليه
__________________
(١) الفصول : ٣١٩.