وحينئذ فيرجع الحاصل إلى أنّه تعالى عالم بأنّ الفاعل المختار يفعل كذا حال قدرته على خلاف ما يفعله ، فإنّ ذلك معنى اختياريّة الفعل له ، فقدرة الفاعل على خلاف ما علمه منه تعالى ليس قدرة على قلب علمه تعالى جهلا ، كيف وقد علم بوقوعه منه في هذه الحالة ، فقدرته عليه محقّقة لعلمه تعالى بفعله على وجهه ، وإنّما يلزم القلب إذا فعل خلاف ما علمه تعالى لكنّه محال ، فاتّضح أنّ استحالة قلب علمه تعالى جهلا راجعة إلى استحالة علمه تعالى بخلاف ما يقع منك لا إلى استحالة قدرتك على خلاف ما علمه ، فأنت قادر في نفسك على خلاف ما علمه لكنّه محال في حقّه أن يعلم خلاف ما تفعله » (١) إلى آخر ما ذكره وله لتحقيق المقام بيانات وافية وإفادات شافية ومن يطلبها فليراجع كتابه.
وثانيهما : أنّ أفعال العباد لو كانت اختياريّة فصدورها إمّا أن يكون بمرجّح أو لا وكلاهما باطل.
أمّا الثاني : فللزوم الترجيح بلا مرجّح.
وأمّا الأوّل : فلأنّ المرجّح إمّا من قبله تعالى فيجب فلا يقدر على تركها ، أو من قبل العباد فننقل الكلام إليه ، فنقول صدوره إمّا بمرجّح أو لا ، فثبت كونها اضطراريّة.
وعن جماعة تقريره : بأنّ فعل العبد لو كان اختياريّا لاحتاج إلى مرجّح ، وننقل الكلام إلى ذلك المرجّح ، فإن كان اختياريّا تسلسل وإلاّ فالاضطرار.
وعن العضدي تقريره : بأنّ فعله إن كان لازم الصدور بحيث لا يمكنه الترك فذلك الاضطرار ، وإن جاز وجوده وعدمه فإن افتقر إلى مرجّح قلنا هو مع مرجّحه إمّا لازم الصدور أو جائزه ، فإن كان لازما فالاضطرار ، وإلاّ فلا بدّ له من مرجّح وتسلسل ، وإن لم يفتقر إلى مرجّح بل كان بحيث يصدر عنه تارة ولا يصدر عنه اخرى مع تساوي الحالين من غير تجدّد أمر من الفاعل فهو اتّفاقي لا اختياري.
وعن بعض المتأخّرين تقريره : بأنّه إن وجب صدور الفعل فلا اختيار ، وإلاّ فلا صدور لمّا تقرّر من أنّ الشيء ما لم يجب لم يوجد.
وقد يقرّر أيضا : بأنّ جميع ما يتوقّف عليه الفعل إذا تحقّق فإمّا أن يلزم الفعل أو لا ، وعلى الأوّل يلزم الاضطرار ، وعلى الثاني يلزم جواز تخلّف المعلول عن علّته العامّة ، بل يلزم مع الصدور الترجيح لا لمرجّح ، إذ المفروض أنّه لم يزد على عدم الصدور.
__________________
(١) الفصول : ٣٢٧ ـ ٣٢٨.