وقد يقرّر أيضا : بأنّ الفعل الاختياري ما لا يقع إلاّ بإرادة ، فإن كانت من فعله أيضا تسلسل ، وإن كانت من فعل الغير جاء الاضطرار.
وعن بعضهم التعلّق في دفع الشبهة بالتزام الترجيح بلا مرجّح.
وقد نصّ في المنية (١) بجواز ترجيح القادر لأحد الطرفين الفعل والترك على الآخر لا لمرجّح كالهارب من السبع إذا صادف طريقين متساويين.
وعن آخرين بأنّه لا ضرر في العجز عن حلّ الشبهة بعد ثبوت الحقّ بالبيّنة ، وهذا ممّا لا كرامة فيه إذ لا داعي إلى الاعتراف بالعجز بعد سهولة دفع الشبهة. وأضعف منه الالتزام بجواز الترجيح من غير مرجّح ، لأنّه يخالف صريح الوجدان والاستشهاد بالمثال المذكور ونحوه واضح الدفع ، لمنع بنائه على الترجيح من غير مرجّح.
وتوضيح المقام : أنّ « الترجيح » في هذا العنوان وفي عنوان « ترجيح المرجوح على الراجح » عبارة عن اختيار أحد طرفي الممكن من الفعل والترك ، و « المرجّح » عبارة عمّا يوجب رجحانه في نظر الفاعل المختار ، وهو قد يكون عقلائيّا إذا كان ممّا يعتبره العقلاء مناطا للترجيح ، وقد يكون فاعليّا وهو ما اعتبره الفاعل المختار مناطا له وإن لم يصلح له في نظر العقلاء بحيث يتوجّه إليه من الترجيح بسببه ذمّ العقلاء.
فضابط الفرق بين النوعين كون المرجّح بحيث يرفع ذمّ العقلاء وعدمه ، والمراد من « عدم المرجّح » في عنوان « الترجيح بلا مرجّح » انتفاء المرجّح رأسا حتّى ما يكون فاعليّا ، والمراد من « ترجيح المرجوح على الراجح » اختيار أحد طرفي الممكن لمرجّح غير عقلائي ، ومحصّله ترجيح المرجوح العقلائي على الراجح العقلائي لمرجّح غير عقلائي أوجب فيه رجحانا فاعليّا ، ومن آثاره قضاؤه باستحقاق الفاعل ذمّ العقلاء.
وبهذا علم السرّ في الفرق بين العنوانين ، حيث حكم على الأوّل بالاستحالة وعلى الثاني بالقبح على معنى كونه بحيث يستحقّ فاعله الذمّ.
وبذلك ظهر أنّ اللازم من مذهب الأشاعرة في إنكارهم التحسين والتقبيح العقليّين تجويز ترجيح المرجوح على الراجح ، كما أنّهم يجوّزون على الله تعالى تفضيل المفضول على الفاضل ، بخلاف الترجيح من غير مرجّح لعدم كون استحالته من جهة قبح عقلي ، وظاهر أنّ استحالة هذا العنوان ليست لمدخليّة المرجّح في تحقّق ما يختاره الفاعل
__________________
(١) منية اللبيب : ١٩.