المختار من أحد طرفي الممكن من غير واسطة بل لمدخليّته في تحقّق ما هو من مقدّمات تحقّقه وهو « الإرادة » بمعنى الجزم بالإيقاع ، الّذي هو المقدّمة الأخيرة من مقدّمات الفعل الاختياري عقلا ، لاستلزام انتفائه انتفاء هذه المقدّمة.
ومن البيّن استحالة وجود الشيء مع انتفاء مقدّمة وجوده ، والسرّ في مقدّميته أنّ انتفاء الجزم مع الالتفات إلى طرفي الفعل والترك يلازم التردّد بينهما ، ومن المستحيل اختيار أحدهما ما دام متردّدا ، فلا بدّ في الترجيح من دفع التردّد بمراعاة مرجّح عقلائي أو فاعلي أوجب رجحان أحد الطرفين المستتبع للجزم بإيقاعه.
فظهر أنّ مراعاة المرجّح في الترجيح إنّما تجب على الفاعل المختار حال التردّد ، ورفعه عبارة عن الجزم بإيقاع أحد الطرفين المردّد فيهما ، وهذا التردّد قد يحصل في شيء بعينه بين فعله وتركه فلابدّ فيه من مرجّح أوجب رجحان أحدهما المستتبع للجزم بإيقاعه وقد يحصل في أشياء بين فعل أحدها وترك الجميع ، فلا بدّ فيه من مرجّح أوجب رجحان أحدهما على وجه يستتبع الجزم بايقاعه ، ولو فرض وجوده في جانب فعل أحدها كفى ذلك في اختيار بعض معيّن منها وخروجه عن عنوان الترجيح من غير مرجّح ، إذ التعيين ليس من الترجيح حال التردّد ويكفي فيه الرجحان المشترك على البدل ، ضرورة أنّه في مقابلة ترك الجميع ترجيح مع المرجّح ، وأمّا هو في مقابلة اختيار المعادل فلا تردّد بينهما ليستدعي مراعاة مرجّح آخر ، وبذلك ظهر خروج المثال المذكور ونظائره عن عنوان الترجيح من غير مرجّح.
نعم لو فرض بعد حصول مرجّح القدر المشترك عروض تردّد له في مصاديقه فلا بدّ حينئذ من مرجّح آخر يرفع هذا التردّد وأوجب رجحان المصداق المعيّن ، ولا يكفي في ترجيحه على معادله وجود مرجّح القدر المشترك ، وبدونه يستحيل الترجيح أيضا ، فملاك الترجيح بلا مرجّح المحكوم عليه بكونه مستحيلا عند العقل هو ترجيح أحد الطرفين المردّد فيهما حال التردّد ، ولا فرق في استحالته عند العقل بين كون التردّد حاصلا بين فعل شيء بعينه وتركه ، أو بين فعل أحد أشياء وترك الجميع ، أو بين أحد هذه الأشياء بعينه ومعادله ، والتردّد مانع في الجميع ورفعه الّذي هو عبارة عن الجزم بإيقاع أحد الطرفين بعينه معتبر في اختيار أحدهما في الجميع ، فليتدبّر.
وبالجملة « المرجّح » في هذا العنوان مأخوذ عن الرجحان وهو أن يكون لأحد طرفي