الوسط تسمية للجزء الأعظم باسم الكلّ ، فيقال : إنّ دليل حدوث العالم هو التغيّر.
ومن ذلك أيضا إطلاق الدليل عند الاصوليّين على الأدلّة الأربعة ، ولشيوع هذا الإطلاق في لسان الاصوليّين قد يتوهّم أنّ الدليل عندهم اصطلاح في المفرد ، وليس كما توهّم بل هو مجرّد شيوع إطلاق مجازا ، وقد يطلق الوسط أيضا على الدليل تسمية للكلّ باسم جزئه الأعظم ، كما يقال : هذه الدعوى تحتاج إلى وسط ، أي إلى دليل ، وهذا الإطلاق أيضا شائع إلاّ أنّ العكس أشيع.
وبالتأمّل ـ في جميع ما قرّرناه ـ يتبيّن أنّ النتيجة بعينها مندرجة في كلّ من الصغرى والكبرى ، وأنّ العلم بها مندرج في كلّ من العلم بالصغرى والعلم بالكبرى ولكن اندراجا إجماليّا.
فالفرق بين العلم بنفسها الّذي يستحصل بالنظر ، والعلم بها في ضمن الصغرى أو الكبرى إنّما هو بالإجمال والتفصيل ، وذلك أنّ الحكم على العالم بكونه متغيّرا مثلا يتضمّن الحكم عليه بجميع لوازم التغيّر ومنها الحدوث ، فقولنا : « العالم متغيّر » يتضمّن قولنا : « العالم حادث » ، وأنّ الحكم بالحادث على المتغيّر يتضمّن الحكم به على جميع ملزومات المتغيّر ومنها العالم ، فقولنا : « كلّ متغيّر حادث » أيضا يتضمّن قولنا : « العالم حادث » ولكن تضمّنا إجماليّا أيضا.
فالعلم بحدوث العالم في ضمن قولنا : « العالم متغيّر » وقولنا : « كلّ متغيّر حادث » إجمالي ، إمّا لإجمال في محمول القضيّة ، أو لإجمال في موضوعها ، وإنّما يكون تفصيليّا حيث لم يكن معه إجمال في موضوع القضيّة ولا في محمولها.
ومن ذلك يعلم أنّ إنتاج المقدّمتين للنتيجة عبارة عن صيرورة العلم الإجمالي المندرج في كلّ منهما علما تفصيليّا ، وهو العلم بثبوت الأكبر بعنوان أنّه أكبر للأصغر بعنوان أنّه أصغر ، أعني العلم بثبوت الحادث بعنوان أنّه حادث للعالم بعنوان أنّه عالم ، لا العلم بثبوت الحادث بعنوان أنّه متغيّر للعالم ، ولا العلم بثبوت الحادث بعنوان أنّه حادث للعالم بعنوان أنّه متغيّر.
ثمّ بالتأمّل أيضا يعلم أنّ الحجّة بالمعنى المرادف للدليل لا تطلق على القطع ولا على الظنّ ، كما لا يطلق عليهما الدليل ، ولا يلحقهما وصف الحجّيّة أيضا كوصف الدليليّة ، لأنّ القطع أو الظنّ ما يستحصل من الدليل ، والحجّة اسم للسبب فلا يطلق على المسبّب الحاصل منها.
نعم يطلق على كلّ منهما الحجّة بمعنى آخر من الحجّيّة بمعنى وجوب متابعته ، وقد