حرام شرعا » أو لا؟ وجهان ، بل قولان ، أوّلهما المعروف بين العامّة والخاصّة المتّفق عليه بين الفريقين الأشاعرة والمعتزلة كما نبّهنا عليه سابقا ، بل المجمع عليه عند أصحابنا الإماميّة خلفا عن سلف إلى أن وصلت النوبة إلى الفاضل التوني (١) فحصل له التشكيك في الملازمة فأنكرها تبعا للزركشي من أواخر الأشاعرة ، وتبعه بعض من تأخّر عنه كالفاضل السيّد صدر الدين في شرحه للوافية وغيره.
ومن مشايخنا من ادّعى عليه إجماع المخالف والمؤالف محصّلا ومنقولا في حدّ الاستفاضة القريبة من التواتر إن لم نقل بكونه متواترا بسيطا ومركّبا ، على معنى أنّ كلّ من قال بحكم العقل قال بالملازمة بينه وبين حكم الشرع ، وكلّ من لم يقل به قال بها أيضا على تقدير حكم العقل.
وممّا يشهد بدخول الأشاعرة في الإجماع على الملازمة احتجاجهم لنفي التحسين والتقبيح العقليّين بآية نفي التعذيب قبل بعث الرسول ، لما عرفت من أنّه لا يتمّ إلاّ على تقدير تسليم الملازمة ، ليرجع الاحتجاج إلى الاستدلال على نفي الملزوم وهو حكم العقل بنفي اللازم وهو حكم الشرع كما هو مفاد الآية على تقدير صحّة دلالتها.
وأمّا تحرير هذا النزاع بحيث يرجع إلى حجّية إدراك العقل ووجوب متابعة القطع العقلي ثمّ إقامة الدليل على الحجّية ووجوب المتابعة كما في الضوابط ويظهر من كلمات بعض الأعلام في غير موضع من تضاعيف هذه المسألة فهو سهو واضح وغفلة ظاهرة ، لما أشرنا إليه سابقا من أنّ النزاع في الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع غير النزاع في حجّية إدراكات العقل وله موضع آخر في مباحث حجّية القطع.
ثمّ إنّ الّذي يظهر من تضاعيف كلماتهم كون الحكم الشرعي الّذي يلازمه الحكم العقلي عبارة عن الوجوب والحرمة وأخواتهما بالمعنى المصطلح ، المعبّر عنه بكون الشيء بحيث يستحقّ فاعله الثواب وتاركه العقاب أو تاركه الثواب وفاعله العقاب وهكذا ، وهذا بالنظر إلى ملزومه المنتسب إلى الشارع لا يخلو عن إجمال لكونه قابلا لأن يكون من آثار مجرّد المحبوبيّة والمبغوضيّة النفسانيّتين ، أو من آثار المجعول الواقعي ، أو من آثار الطلب الفعلي المعبّر عنه بالإيجاب والتحريم.
والفرق بين هذه الاعتبارات بأنّ الأخير مسبوق بالجعل والمحبوبيّة والمبغوضيّة ، كما
__________________
(١) الوافية : ١٧١.