النفع ليس باعتبار كون هذا أو ذاك في نفسه موضوعا لحكم العقل ، بل لاندراج الأوّل في عنوان « إضرار الغير » الّذي هو لذاته قبيح عند العقل واندراج الثاني في عنوان « إيصال النفع إلى الغير » الّذي هو لذاته حسن عند العقل ، وكذلك لطم اليتيم تعذيبا وتأديبا ، فإنّ قبح الأوّل وحسن الثاني إنّما هو لاندراجهما تحت القبيح والحسن الذاتيّين عند العقل وهما الظلم والعدل ، لكون الأوّل من الظلم والثاني من العدل ، فلو حصل خلط واشتباه بإجراء حكم الإضرار على ما ليس بضارّ في الواقع ، أو إجراء حكم النفع على ما ليس بنافع في الواقع ، أو إجراء حكم الظلم على ما ليس بظلم في الواقع ، أو إجراء حكم العدل على ما ليس بعدل في الواقع ، فهو ليس من العقل بل من الناظر في حكمه لإجرائه على ما هو من مصاديق موضوعه.
وعلى هذا القياس جميع الجهات المحسّنة أو المقبّحة للأفعال الخاصّة ، لرجوع الجميع إلى الوجوه ـ من الوجه بمعنى العنوان العامّ الأوّلي ـ الّذي يحكم العقل بحسنه أو قبحه لذاته ، وهو المراد من الوجوه والاعتبارات في عنوان قولهم : « أنّ الحسن والقبح بالوجوه والاعتبارات » وإطلاق « الوجه » على العنوان العامّ الأولي هو المعنى المعهود المصطلح عند الفقهاء والمتكلّمين ، ومنه الوجه المبحوث عنه في مباحث النيّة المعتبرة في العبادات ، يقولون : هل يعتبر فيها قصد الوجه أو لا؟
وما يوجد في كلامهم كثيرا من إطلاقه على الوجوب والندب فإنّما هو توسّع في الاستعمال لضرب من المجاز ، ولعلّه تسمية للمسبّب باسم السبب ، لكون الوجوب والندب في الأفعال الخاصّة مسبّبا عن العنوان العامّ الأولي الصادق عليها صدق الجنس على جزئيّاتها الإضافيّة ، ومنه أيضا ما في كلام المتكلّمين من أنّه يعتبر في حسن الفعل واستحقاق الثواب عليه وقوعه لوجوبه أو ندبه ، أو لوجه وجوبه أو ندبه.
وبالجملة وظيفة العقل في مستقلاّته إدراك حكم الكلّيات من حسن أو قبح ، كما أنّ وظيفة الشارع في غير مستقلاّت العقل بيان حكم الكلّيات ، وأمّا إجراء حكم كلّ كلّي على ما هو من جزئيّاته في المقامين فهو من وظيفة الناظر لا الحاكم عقلا كان أو شرعا ، فلو اتّفق غفلة واشتباه للناظر في الجزئيّات بإجراء حكم كلّي فيما هو من جزئيّات كلّي آخر للناظر لا يسند ذلك إلى الحاكم ، فتجويز الغفلة والاشتباه على العقل في موضوعات حكمه بالحسن والقبح أو في جزئيّات تلك الموضوعات هفوة وزلّة من مجوّزه فلا ينبغي الإصغاء إليه.