الاحتراز عن الكذب من حيث إنّه نافع.
ففيما كان الحسن أو القبح علّة تامّة للحكم باعتبار كون الفعل الموصوف بهما علّة تامّة لهما فلا إشكال معه في الملازمة كما اعترف به الفاضل المتقدّم ، وكذلك فيما كان مقتضيا له على المذهب الحقّ إذا اخذ مع الفعل الموصوف به قيد الحيثيّة ، والعقل أيضا إنّما يحكم عليه بالحسن أو القبح على هذا الوجه لا مطلقا ، لما عرفت من أنّه لا يحكم في القضيّة بشيء إلاّ بعد الإحاطة بجميع جهات موضوعها وإحرازه بجميع قيوده وحيثيّاته ، فإنّه في حكمه بقبح الكذب مثلا يلاحظ الكذب من حيث إنّه كذب ثمّ يحكم عليه بالقبح ، وهذا لا ينافي حسنه من حيث إنّه نافع في إنجاء نبيّ أو وصيّ نبيّ لأنّهما موضوعان متغايران بالفرض والاعتبار ، كما أنّ حكمه بحسن الصدق من حيث إنّه صدق لا ينافي قبحه من حيث كونه ضارّا لتعدّد موضوعيهما ، فغفلته عن الجهة المحسّنة في الأوّل والمقبّحة في الثاني إن صحّحنا جوازها لا تقدح في صدق حكمه المذكور ولا يوجب كذبه كما هو واضح.
نعم ربّما يحصل الغفلة في الصدق الضارّ والكذب النافع ، فيحكم بحسن الأوّل لملاحظته من حيث هو وقبح الثاني لملاحظته كذلك غفلة عن الجهة المقتضية للقبح في الأوّل والحسن في الثاني ، غير أنّه ليس غفلة من العقل لأنّ وظيفة العقل الحكم على الأشياء بعناوينها الخاصّة أو العامّة لا إجراء حكمه فيما هو من مصاديق أحد العنوانين ، بل من الناظر في حكمه لإجرائه فيما هو من مصاديق موضوعه حيث أجرى حكم أحد العنوانين فيما هو من مصاديق عنوان آخر غفلة.
ولا ريب أنّ ملاحظة المصاديق وتشخيص بعضها عن بعض لإجراء حكم كلّ عنوان في مصداقه الواقعي لا غير من وظيفة الناظر في الحكم لا من وظيفة الحاكم ، فحصول الغفلة للأوّل لا يوجب قدحا في صحّة حكم الثاني.
ومن هذا القبيل الغفلة فيما توارد عليه جهتان متزاحمتان كالصدق مثلا إذا تضمّن نفعا بإنجاء مؤمن عن القتل وإضرارا بإيقاع مؤمن آخر في القتل ، فغفل الناظر عن إحدى الجهتين وحكم بمقتضى الجهة الاخرى ، من دون مراعاة أنّ المورد من تعارض الجهتين فلا بدّ فيه من الترجيح ثمّ الحكم عليه بالوجوب أو الحرمة أو التسوية ثمّ البناء على التخيير والإباحة.
بل لنا أن نقول : إنّ الحكم بقبح الصدق الضارّ لجهة الضرر وحسن الكذب النافع لجهة