عرفت ، سواء فسّرت الواجب الشرعي بما يستحقّ العقاب على تركه أو ما يجوّز المكلّف العقاب على تركه ، أو غيرهما ، إذ ليس الكلام في الملازمة بين الحكم العقلي وأمر اصطلاحي حتّى يغيّر الاصطلاح على حسب ما اقتضاه المذهب في الملازمة.
وبذلك يندفع أيضا ما ذكره السيّد الشارح في تفسير الواجب الشرعي من أنّه ما يوجب فعله الثواب من حيث هو إطاعة وتركه العقاب من حيث هو مخالفة ، وقال : « وقد مرّ أنّ إخبار الله تعالى بنفي التعذيب إباحة للفعل والترك ، فلا يكون ثمّة إطاعة ولا مخالفة فلا وجوب ولا حرمة ».
وحاصل الدفع : أنّه يكفي في صدق « الإطاعة » و « المخالفة » موافقة ميله تعالى ومحبوبه ومخالفته ، فيصدق على الفعل حينئذ أنّه ما يوجب فعله الثواب من حيث هو إطاعة وتركه العقاب من حيث هو مخالفة ، ويتطرّق المنع إلى كون إخباره تعالى بنفي التعذيب إباحة للفعل والترك لجواز الواسطة وهو العفو ، إذ ليس معنى ما يوجب تركه العقاب من حيث هو مخالفة ما يوجب تركه وجوب العقاب لئلاّ يجامع العفو ـ وإلاّ كان مدافعا لما علم بالضرورة من الدين وبالكتاب العزيز والسنّة المتواترة من عفوه يوم القيام عن ذنوب أهل الفسق في الجملة ، والإخبار به في الآيات المصرّحة به فوق حدّ الإحصاء ـ بل ما يوجب جواز العقاب وهذا لا ينافيه عدم وقوع العقاب ، فيجمع بين كون الواجب العقلي واجبا شرعيّا وبين مفاد الآية بأنّه ما يوجب تركه جواز العقاب من حيث هو مخالفة وأنّه ما يوجب تركه عدم وقوع العقاب من حيث إخباره تعالى بالعفو أو بعدم التعذيب الّذي هو أعمّ منه ومن انتفاء موجب جواز العقاب.
نعم يمكن أن يقال في دفع الردّ : إنّ نفي التعذيب وإن لم يستلزم نفي الاستحقاق عقلا غير أنّه يستلزمه عرفا ، فإنّ المنساق من نحو هذا الخطاب في متفاهم العرف إنّما هو نفي التعذيب على وجه الاستحقاق ، وبذلك يكون الاخبار به إباحة للفعل والترك.
وهذا حسن لو لا إمكان القول بظهور الآية في الورود للامتنان ، ولا يتمّ ذلك إلاّ بثبوت الاستحقاق وإلاّ فلا موجب للتعذيب ليكون نفيه امتنانا كما هو واضح.
لكنّ الإنصاف أنّ نفي التعذيب مع فرض الوجوب والحرمة الشرعيّين ربّما يؤدّي إلى نقض الغرض من إيجاب هذا الواجب وتحريم هذا الحرام ، لاستلزامه تجرّي المكلّف بترك الواجب وفعل الحرام تعويلا منه على عدم العقاب عليه ، ولا يكفي استحقاقه المعلوم لديه