بالفرض صارفا له عن ذلك كما لا يخفى والتحقيق في ردّ الاستدلال أن يقال : إنّ ظاهر الآية بملاحظة سابقها ولا حقها كونها منساقة بسياق قوله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها )(١) و ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ )(٢) وقوله عليهالسلام : « الناس في سعة ما لم يعلموا » (٣) و « ما حجب الله علمه عن العباد » (٤) و « رفع عن امّتي تسعة » (٥) وعدّ منها ما لا يعلمون ، وما أشبه ذلك من عمومات أصل البراءة فيما لا نصّ فيه كتابا وسنّة فيكون مفادها حينئذ نفي العقاب على مخالفة الواجبات الواقعيّة والمحرّمات الواقعيّة المستورة على المكلّف لجهالته بالحكم الشرعي بسبب عدم بلوغه إليه ، فلا يدخل فيه ما نحن فيه لعدم جهالة حكمه الشرعي بحكم الملازمة بينه وبين الحكم العقلي.
ومع الغضّ عن ذلك نجيب عن الاستدلال بالإهمال تارة أو التخصيص اخرى أو التعميم ثالثة ، وقد سبق بيان الجميع في ردّ استدلال الأشاعرة بالآية على نفي حكومة العقل.
وثانيها : جملة من الأخبار المختلفة المضامين :
منها : ما يدلّ على أنّه لا يتعلّق التكليف إلاّ بعد بعث الرسل ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيي من حيّ عن بيّنة.
ومنها : ما يدلّ على أنّه على الله تعالى بيان ما يصلح الناس وما يفسد (٦).
ومنها : ما يدلّ على أنّه لا يخلو زمان عن إمام معصوم ليعرّف الناس ما يصلحهم وما يفسدهم (٧).
ومنها : ما يدلّ على أنّ الله تعالى يحتجّ على العباد بما آتاهم وعرّفهم ، ثمّ أرسل إليهم رسولا وأنزل إليهم الكتاب ، فأمر فيه ونهى ، أمر فيه بالصلاة والصيام إلى آخره (٨).
والجواب عن الأوّل : يظهر ممّا مرّ ، فإنّ المراد به نفي التكليف حتّى يبعث الرسل في الواجبات والمحرّمات الواقعيّة المجهولة للمكلّفين بعدم بلوغ الحكم الواقعي إليهم ،
__________________
(١) الطلاق : ٧.
(٢) الأنفال : ٤٢.
(٣) المستدرك ١٨ : ٢٠ ، الباب ١٢ من أبواب مقدّمات الحدود ، الحديث ٤ ـ عوالى اللآلي ١ : ٤٢٤.
(٤) الوسائل ١٨ : ١١٩ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٨.
(٥) الوسائل ١١ : ٢٩٥ ، الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس الحديث الأوّل.
(٦) الخصال : ٢٨٣ باب الخمسة ح ٣١.
(٧) راجع الكافي ١ : ١٧٨ ، باب أنّ الأرض لا تخلو من حجّة.
(٨) الكافي ١ : ١٦٤ ـ كتاب التوحيد ـ باب حجج الله على خقلقه ـ ج ٤.