ولا جهالة في مستقلاّت العقل لبداهة الملازمة ، ومع الغضّ عن ذلك فمفاده ليس إلاّ قضيّة مهملة ولو سلّم العموم فلا يقاوم لمعارضة البداهة القاضية بالملازمة ، فلا مناص من تأويل إمّا بالتخصيص أو بالتعميم في الرسل.
وعن الثاني : بأنّ المراد بالموصول إمّا الأحكام الواقعيّة باعتبار كونها إرشادا منه تعالى إلى المصالح والمفاسد النفس الأمريّة ، أو الأفعال والتروك المشتملة على المصالح والمفاسد النفس الأمريّة ، وأيّا مّا كان فكون بيانه على الله تعالى لا يشمل ما نحن فيه ، لأنّ العقل بعد ما أدرك حسن الفعل أو قبحه فقد كشف عن محبوبيّته لله تعالى أو مبغوضيّته ، فكان ممّا يصلح الناس ويفسد وقد حصل بيانه ، ولا حاجة معه إلى بيان آخر إلاّ لأجل التأكيد.
ولو سلّم فبيانه تعالى ما يصلح وما يفسد أعمّ منه بلسان العقل أو بلسان الشرع ، وقد حصل فيما نحن فيه بلسان العقل.
ولو سلّم فالمنساق من الرواية في متفاهم العرف بيان ما يحتاجون إلى بيانه ، ولا حاجة لهم فيما حسّنه العقل أو قبّحه إلى بيانه تعالى.
وعن الثالث : بأنّ معرفة كون الفعل محبوبا أو مبغوضا لله تعالى معرفة للمصلح والمفسد وقد حصلت بحكم العقل ، ولا حاجة معه إلى تعريف الإمام ، سواء اريد بالمصلح والمفسد نفس الأحكام الواقعيّة أو موضوعاتها من الأفعال والتروك ، فالرواية مخصوصة بغير مستقلاّت العقل.
وعن الرابع : بأنّ الإيتاء والتعريف لا ينحصران فيما إذا كانا بتوسّط الرسل ، بل المعرفة الحاصلة من العقل إيتاء وتعريف من الله سبحانه ، وعلى هذا فما آتاهم مختصّ بما يستقلّ به العقل أو شامل له ولما لم يعلم إلاّ من جهة الشرع.
ويؤيّد الأوّل لفظة « ثمّ » فيكون إرسال الرسل مؤيّدا له كاشفا عن الّذي يخفى على العقل كما نبّه عليه السيّد الفاضل ، ويمكن أن يراد بما أعطاهم نفس العقل المدرك للحسن والقبح ، المرشد إلى فعل الحسن وترك القبيح ، فلو لا كون مدركاته أحكاما شرعيّة أو ملزومات لها لم يتمّ الاحتجاج به على الناس.
وأمّا ما يقال على الوجه الأوّل من أنّ الخبر وإن دلّ على ترتّب أمر على ما يستقلّ فيه العقل ، ولكنّه لا يدلّ على ترتّب ما هو لازم الوجوب والحرمة الشرعيّين ، وهذا هو النافع لمن يحكم بالشرعيّين ، لقضاء العقل بالعقليّين.