أوجب خروجها عن عداد أفعال البهائم ، بل هي في الحقيقة داخلة فيما بعد الغاية ، لبلوغ النهي فيها بالمبغوضيّة المستتبعة لاستحقاق العقاب على الترك الكافية في انعقاد الحرمة الشرعيّة ، بناء على عدم كون النهي هنا مرادا به خصوص النهي اللفظي ، لما سبق تحقيقه في مباحث الأوامر والنواهي (١) من عدم دخول الصيغة المخصوصة ولا اللفظ في وضع الأمر والنهي لغة وعرفا.
غاية الأمر دخول الطلب فيهما ، ويكفي في ثبوته فيما نحن فيه بعد إثبات المحبوبيّة والمبغوضيّة بحكم العقل ما تقدّم من إمكان إثباته بانضمام مقدّمات اخر عقليّة ونقليّة ، مع أنّه إنّما يعتبر فيما يحتاج إليه للكشف عن المحبوبيّة والمبغوضيّة النفسانيّتين ، وبعد انكشافهما بحكم العقل لا حاجة إلى التزامه.
أو لعدم صدق قولنا : كلّ شيء لم يرد فيه نهي فهو مطلق ، لانتقاضه بالواجبات بل المندوبات والمكروهات ، لعدم خلوّها عن قيد تكليفي ، فلا بدّ وأن يكون المراد : أنّ كلّ شيء احتمل فيه الحرمة ولم يعلمها المكلّف بالخصوص فهو مطلق إلى أن يبلغه النهي عنه ، والمفروض في المقام علمه بالحكم الشرعي بواسطة حكم العقل.
وإمّا إنشائيّة (٢) اريد بها إنشاء الإباحة.
ففيه أوّلا : أنّ إباحة القبيح كالأمر بالقبيح قبيح عقلا.
وثانيا : إنّ هذه الإباحة لا يجوز أن تكون واقعيّة وإلاّ لم تكن مغيّاة بورود النهي ، والإباحة الظاهريّة أيضا موضوعها الجاهل بالحكم الواقعي ولا جهل في المقام.
وبالجملة ما يستقلّ العقل بقبحه لا يندرج في عموم الرواية بشيء من محتملاتها.
ورابعها : الخبر الموثّق عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « بني الإسلام على خمس الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والولاية ، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية ، فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه ، أما لو أنّ رجلا صام نهاره وقام ليله وحجّ في جميع دهره وتصدّق بجميع ماله ، ولم يعرف وليّ الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ، فليس على الله حقّ في ثوابه ، ولا هو من أهل الإيمان » (٣) دلّت الرواية على أنّ ترتّب الثواب على الأعمال بل استحقاقه مقصور على دلالة الإمام عليهالسلام إليها.
__________________
(١) سبق في ج ٣ : ٨.
(٢) عطف على قوله : « فقضيّة الرواية إمّا خبريّة » الخ.
(٣) الكافي ٢ : ١٨ ح ٤.