وقضيّة ذلك انحصار طريق أخذ الأحكام في الشرع ، وهذا ينفي طريقيّة حكم العقل.
والجواب : أنّ هذه الرواية بقرينة صدرها وردت في ردّ المخالفين حيث لم يعرفوا وليّ الله بل أنكروا ولايته ولم يوالوه ، ولم يرجعوا إليه في أخذ أعمالهم وأحكامهم ، بل رجعوا إلى الطرق الفاسدة الغير المشروعة من الرأي والقياس والاستحسان والمصالح المرسلة وغيرها ، من غير نظر فيها إلى ما يستقلّ فيه العقل ، وأنّ الحكم العقلي هل يلازم الحكم الشرعي أم لا؟ وأنّ الوجوب والحرمة العقليّين هل يلازمان الإيجاب والتحريم الشرعيّين أم لا؟ فليس فيها ما يدلّ على نفي الملازمة.
ومع الغضّ عن ذلك نقول : إنّ مفاد الرواية اشتراط تحقّق الإيمان وصحّة الأعمال بمعرفة الإمام وموالاته ، فلا إيمان لمن فقدهما ، كما لا صحّة لأعماله كالمخالفين ، ولا ينافي ذلك ثبوت الأحكام الشرعيّة بالقياس إليهم وتوجّه الخطاب إليهم ، لما تقرّر في محلّه من أنّهم كالكفّار مكلّفون بفروع الشرع ومخاطبون بهما ، إلاّ أنّ أعمالهم لا تقع صحيحة لانتفاء ما هو من شروط الصحّة ، ولا يفترق الحال في ذلك بين كون الأحكام والأعمال ثابتة بخطاب الشرع كما في غير المستقلاّت العقليّة أو بحكم العقل كما في مستقلاّته ، حتّى أنّه لا يجديهم إحسانهم ولا صدقهم ولا عدلهم ولا أمانتهم ولا ردّهم الوديعة مع ثبوت أحكام هذه العناوين على القول بالملازمة بالقياس إليهم أيضا.
وأمّا قوله عليهالسلام : « ويكون جميع أعماله بدلالته إليه » فهو حصر لطريقيّة أخذ الأعمال في دلالة الإمام من باب قصر القلب ، قبالا للطرق الفاسدة المتداولة عند المخالفين بنفي الطريقيّة عنها وإثباتها ، له فتكون الأعمال المذكورة في الرواية مختصّة بالأعمال الّتى يأخذ فيها المخالفون بتلك الطرق الفاسدة وليست إلاّ العبادات التوقيفيّة وغيرها ممّا لا يستقلّ فيه العقل ، كما يشعر به أيضا سبق ذكر الصلاة والزكاة والصيام والحجّ الّتي هي من هذا القبيل ، وهذا لا ينافي طريقيّة حكم العقل في مستقلاّته ، بل انحصار الطريق في غير المستقلاّت في الشرع هو الّذي يقول به أهل القول بالملازمة أيضا.
وخامسها : أنّ أصحابنا والمعتزلة قالوا : « إنّ التكليف فيما يستقلّ به العقل لطف » يعني أنّ انضمام التكليف الشرعي بالتكليف العقلي ـ بمعنى تواردهما معا ـ لطف ، كما أنّ مطلق التكليف السمعي لطف فيما لا يستقلّ به العقل ، والعقاب بدون اللطف قبيح ، فلا يجوز العقاب على ما لم يرد فيه من الشرع نصّ لعدم اللطف فيه حينئذ.