أعلام نبوّة نبيّنا صلىاللهعليهوآله أنّه كان يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطيّبات بالبيان المتقدّم ، ومنه ما سبق من قصّة الأعرابي.
والأصل في هذه القضيّة مضافا إلى شهادة حديث الأعلام وقصّة الأعرابي لزوم الترجيح من غير مرجّح في إيجابه تعالى أو تحريمه أو غيرهما ، أو جعله الوجوب أو الحرمة أو غيرهما ، أو حبّه أو بغضه لو لا اشتمال الفعل بحسب الواقع على صفة محسّنة أو مقبّحة ، وهو قبيح على الحكيم ، كما أنّه يقبح عليه التسوية بين طرفي الفعل والترك فيما اشتمل على صفة محسّنة أو مقبّحة.
وأمّا ما يقال في دفعه : من منع الملازمة ، لجواز كون المرجّح على تقدير الخلوّ عن الصفات بالمرّة إرادته تعالى ، نظير ما قيل في دفع احتجاج القائل بكون دلالات الألفاظ على معانيها لمناسبات ذاتيّة بينهما بأنّه لولاها لزم الترجيح بلا مرجّح إن كان هناك تخصيص وإلاّ لزم الترجيح من غير مرجّح ، فدفع بأنّ إرادة الحكيم تصلح مرجّحة للتخصيص.
ففيه : أنّ الإرادة في المقامين عبارة عن العلم بالأصلح لا القصد لئلاّ يلزم التسلسل ، فتجويز كون المرجّح فيما نحن فيه هو الإرادة اعتراف بمطلوبنا ، إذ الأصلحيّة ممّا لا معنى محصّل له إلاّ الوجوب والحرمة العقليّين.
وقد يستدلّ أيضا بالإجماع محصّلا ومنقولا ، وبالآيات والأخبار الدالّة على أنّه تعالى لا يأمر إلاّ بحسن ولا ينهى إلاّ عن قبيح ، ومنه قوله عزّ من قائل : ( قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ )(١) حصر تعالى تحريمه في الفواحش وهي القبائح ، فدلّ على أنّه كلّما حرّمه الشارع فهو بحيث لو أدرك العقل قبحه الواقعي كما أدركه الشارع لحكم بالتحريم أيضا.
فثبت بما قرّرناه من الملازمة في القضيّتين أنّ العقل والشرع متطابقان.
ثمّ إنّ الفاضل المذكور نقل في مسألة الملازمة قولين آخرين :
أحدهما : ما عن بعض من التفصيل بين الأحكام المتعلّقة بالمعارف فأثبتها وغيرها فأنكرها ، محتجّا بما دلّ عليه جملة من الأخبار (٢) من تعذيب عبدة الأوثان ، فإنّها بإطلاقها تشمل زمن الفترة أيضا ، فتدلّ على حجّية مدركات العقل بالنسبة إلى العقائد (٣).
__________________
(١) الأعراف : ٣٣.
(٢) الكافي ٣ : ٢٤٩ ، ح ٦ و ٧ ، البحار ٥ : ٢٩٢ ـ ٢٩٣ ، ح ١٤ و ١٥.
(٣) الفصول : ٣٤٥.