وربّما ايّد ذلك بتصريحهم بأنّ المتوقّف حاظر من حيث العمل أخذا بالاحتياط ، لقضائه بأنّ الرجوع إلى الاحتياط الّذي هو حكم ظاهري إنّما هو بعد التوقّف بين الحكمين ، فلو لا كونهما واقعيّين لم يكن للتوقّف ثمّ الرجوع إلى الحكم الظاهري الّذي هو الاحتياط وجه ، لأنّ الحظر الظاهري لا معنى له إلاّ الحرمة من جهة الاحتياط.
وفيه نظر ، لأنّ التوقّف قد يتأتّى بين الظاهريّين ، كما يأتي نظيره في مسألة أصالة البراءة ، فإنّ المتوقّف من الأخباريّين ثمّة متوقّف عن الحكم بالبراءة ووجوب الاحتياط معا في موضوع مجهول الحكم بعد توقّفه عن الحكم الواقعي ، وهما عند قائليهما حكمان ظاهريّان ، مع كونه من حيث العمل كالقائل بوجوب الاحتياط في الأخذ بالاحتياط.
والفرق بين الاحتياطين دخول الجهل بالحكم الواقعي فقط في موضوع الأوّل والجهل به مع الجهل بالحكم الظاهري في موضوع الثاني.
وأضعف من ذلك ما عساه يستدلّ به على نفي كونهما ظاهريّين من لزوم تسبيع الأحكام ، بانضمام الإباحة الظاهريّة والحظر الظاهري إلى الخمس المعروفة الّتي هي أحكام واقعيّة ، واللازم باطل لقضاء الضرورة بانحصار الأحكام في الخمس ، ووجه الضعف ـ بعد النقض بالبراءة ووجوب الاحتياط عند قائليهما في المسألة الآتية ، وهما حكمان ظاهريّان فيلزم التسبيع ـ : أنّ الواقعيّة والظاهريّة بالقياس إلى الحكم الشرعي ليستا من الفصول المنوّعة ، بل هما من الأحوال العارضة للخمس ، فإنّ كلاّ منها باعتبار تعلّقه بالواقعة لعنوانها الخاصّ حكم واقعي ، وباعتبار تعلّقه بها بعنوان مجهول الحكم حكم ظاهري ، فالإباحة الظاهريّة والحظر الظاهري قسمان من الحرمة والإباحة لا أنهما قسيمان لهما.
وربّما علّل كونهما ظاهريّين بأنّ أدلّة القائلين بهما إنّما تفيد الإباحة والحظر ما لم يظهر مفسدة أو رخصة ، فإنّه لا يمكن نفي الاحتمال العقلي رأسا ، سيّما مع ملاحظة ما ورد في الشرع من تحريم بعض المنافع الخالي عن المضرّة مثل الغناء وشرب الفقّاع الغير المسكر ونحوهما ، فربّما يكون في الشيء مفسدة ذاتيّة لا يدركها العقل ثمّ يكشف عنها الشرع.
وفيه : أنّ خروج مورد عن موضوع حكم ودخوله في موضوع حكم آخر لا يوجب كون الحكم الأوّل حكما ظاهريّا ، وموضوع الإباحة عند المبيحين هو المنفعة الخالية عن أمارة المفسدة ، بزعمهم أنّ العقل يحكم على هذا الموضوع بالإباحة ، فإذا ورد في مورد منع من الشرع ـ كما في المثالين ـ خرج المورد عن هذا الموضوع بسبب انتفاء قيد الخلوّ